للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يختلن فى حسنهن، وبأيديهن مراوح نقشت عليها أبيات غزل مختلقة، منها هذا البيت (١):

أتهوون الحياة بلا جنون ... فكفّوا عن ملاحظة العيون

وكن يتبارين فى التهادى بالتحف النفيسة، من ذلك ما يروى عن مؤنسة جارية المأمون من أنها أهدت إلى متيم الهاشمية جارية على بن هشام فى يوم احتجمت فيه مخنقة (قلادة) فى وسطها حبّة-لها قيمة جليلة-كبيرة وعن يمين الحبة ويسارها أربع يواقيت وأربع زمردات وما بينها من شذور الذهب، وغمستها فى الغالية (٢).

وعلى هذا النحو كانت الجوارى والقيان فى هذا العصر من العوامل الفعالة فى انتشار الظرف والرقة فى المجتمع العباسى حتى أصبحا سمتين بارزتين فيه، وبذلك رقّت المشاعر والأحاسيس ودقت الأذواق وأرهفت إرهافا شديدا.

[٣ - المجون]

ورث المجتمع العباسى كل ما كان فى المجتمع الساسانى الفارسى من أدوات لهو ومجون، وساعد على ذلك ما دفعت إليه الثورة العباسية من حرية مسرفة، فإذا الفرس المنتصرون يمعنون فى مجونهم ويمعن معهم الناس، فقد مضوا يعبون الخمر عبّا ويحتسون كئوسها حتى الثمالة، وحاكاهم من عايشوهم حتى أصبح الإدمان عليها ظاهرة عامة على الرغم من نهى القرآن الكريم عنها وحضّه على اجتنابها إذ يقول عزّ شأنه: {(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)}. وكان من أسباب انتشارها وإقبال الناس عليها أن أدّى اجتهاد بعض فقهاء العراق إلى تحليل بعض الأنبذة كنبيذ التّمر والزبيب المطبوخ أدنى طبخ ونبيذ العسل والبرّ والتّين (٣).

فشرب الخلفاء هذه الأنبذة وشربها الناس، وتهالك بعض الناس-إمعانا فى


(١) العقد الفريد ٦/ ٤٢٤.
(٢) أغانى ٧/ ٣٠٦.
(٣) ضحى الإسلام لأحمد أمين ١/ ١١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>