هو أبو جعفر أحمد بن على بن خاتمة الأنصارى المريّى، ولد فى نهاية القرن السابع أو مطلع القرن الثامن إذ يقال إنه توفى سنة ٧٧٠ أو قبلها بقليل عن سبعين عاما. وليس بين أيدينا ما يوضح نشأته وثقافته، غير أن فى نهوضه بالإقراء للقرآن الكريم فى مسجد المرية الجامع ما يشهد بأنه كان متعمقا فى الثقافة الإسلامية من قراءات الذكر الحكيم ومن الفقه والحديث النبوى، وتؤكد ذلك مؤلفاته وأشعاره وما تحمل من إشارات ثقافية إسلامية وأخرى لغوية. ونرى فى أخباره زيارات كثيرة لغرناطة وانعقاد صلات بينه وبين أعلامها وخاصة وزيرها لسان الدين بن الخطيب، مما يدل على أنه اتصل بالأعمال الديوانية لأمير غرناطة، ولعله عمل كاتبا مدة فى دواوين المرية بلدته التى كانت تتبع أمير غرناطة، إذ يذكر فى ترجمته أنه تخلّى عن الكتابة، حتى إذا طلب إليه أن يعود إليها أنشد:
تقضّى فى الكتابة لى زمان ... كشأن العبد ينتظر الكتابه
وكتابة العبد التى يشير إليها هى أن يكاتب الرجل عبده على مال يؤديه إليه مقسّطا، فإذا أدّاه صار حرّا، وهو يقول إننى قضيت فى الكتابة زمانا غير قصير. مما يدل على أنه ظل يعمل فى الكتابة لأولى الأمر ببلدته فترة وأنه استعفى منها فأعفى، وبذلك ردّت إليه حريته ولن يعود إلى حمل نير الكتابة أبدا. وتدل مؤلفاته أوضح دلالة على اتساع ثقافته وأنه لم يقف بها عند الثقافة الدينية واللغوية، بل اتسع بها لتشمل الطب من علوم الأوائل كما يتضح فى كتابه:«تحصيل غرض القاصد فى تفصيل المرض الوافد» وفيه يتحدث عن وباء الطاعون الذى اجتاح المرية فى عامى ٧٤٩ و ٧٥٠ ويفصل القول فيه وفى أسبابه.
وله فى التاريخ الأدبى كتاب مزية المريّة على غيرها من البلاد الأندلسية، وله فى اللغة كتاب سماه:«إلحاق العقل بالحس فى الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس» وكتاب
(١) انظر فى ترجمة ابن خاتمة وشعره الإحاطة ١/ ٢٣٩ وما بعدها والكتيبة الكامنة ص ٢٣٩ ونثير فرائد الجمان لابن الأحمر (تحقيق رضوان الداية) طبع بيروت-رقم ٢٠ ودرة الحجال لابن القاضى (طبع الرباط) ١/ ٤٠ ونيل الابتهاج لأحمد بابا (طبع القاهرة) ص ٧٢ ونفح الطيب فى مواضع مختلفة (انظر الفهرس) وديوانه حققه وقدم له د. رضوان الداية. وراجع دراسة عند للمستشرقة الإسبانية سوليداد خيبرت فى كتاب دراسات أندلسية للدكتور الطاهر أحمد مكى (طبع دار المعارف) ص ٩٧.