للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«إيراد اللآل من إنشاد الضوال وإرشاد السؤّال». وله فى الأدب رسالة صغيرة فى «الفصل العادل بين الرقيب والواشى والعاذل» وكتاب «رائق التحلية فى فائق التورية» وليس دراسة فى التورية وإنما هو أشعاره الذى صاغها للتورية، وبها توريات عن مصطلحات علمية متنوعة.

وديوان ابن خاتمة فى نحو مائتى صفحة، وهو موزع على أربعة أقسام: قسم فى المدح والثناء، وقسم فى التشبيب والغزل، وقسم فى الملح والفكاهات، وقسم فى الوصايا والحكم، ونبذة كبيرة من الموشحات استغرقت نحو أربعين صحيفة، وتليها مستدركات المحقق على الديوان. وأكبر الأقسام قسم التشبيب والغزل وهو فى نحو خمسين صحيفة تضم تسعا وأربعين منظومة بين قصيدة ومقطوعة. ونشعر منذ أول قصيدة نقرؤها فيه أن منظوماته ليست ثمرة تجارب حقيقية فى الحب، إنما هى محاولات لمحاكاة شعراء الغزل والنسيب السابقين، إذ يختار ابن خاتمة لنفسه وزنا من أوزان الشعر، وينظم فيه أبياتا تتحدث عن الحب حديثا كله تكلف وتصنع لبيان قدرته على النظم فى هذا الغرض القديم من أغراض الشعر العربى، وفيه تتجمع العناصر البدوية من أسماء المواضع والأشجار والأزهار والآرام وغير الآرام من مثل قوله:

تهبّ نسيمات الصّبا من ربى نجد ... فينفحن عن طيب ويعبقن عن ندّ (١)

وما ذاك إلا أنهنّ يجلن فى ... معاهدنا بين الأثيلات والرّند (٢)

معاهد نهواها وتهوى لقاءنا ... بها قد مضى حكم العفاف على الودّ

وفى القبّة البيضاء بيضاء لوبدت ... لشمس الضحى يوما لحارت عن القصد (٣)

تطلّع عن صبح من الوجه نيّر ... وتغرب عن ليل من الشّعر مسودّ

ونسيج الصياغة فى الأبيات به غير قليل من الضعف، والمعانى والصور مكررة معادة دون تحويرات فيها-على نحو ما رأينا عند ابن الزقاق-تعيدها خلقا جديدا، ودائما الخد كالورد والريق كالشهد والمبسم كالعقد والصدغ كالعقرب. وقد يختلط الغزل بالحماسة ولكن دون حرارة ومع غير قليل من التكلف كأن يزعم أن مقلة صاحبته تغير على الورى وأن أناملها النواعم مخضّبة بدمائهم. ولا نظلم ابن خاتمة فهو من أنبه الشعراء فى زمنه، غير أن الشعر حينئذ نضب معينه، واستحال فى كثير من جوانبه إلى


(١) الند: عود عطر الرائحة.
(٢) الأثيلات تصغير الأثلات: من أشجار البادية. ومثلها الرند وهو شجر طيب الرائحة.
(٣) حارت: رجعت.

<<  <  ج: ص:  >  >>