للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(ب) رسائل متنوعة]

طبيعى أن تكثر الكتابات الشخصية على ألسنة الأدباء، شاكرين صنيعا أو مهنئين على منصب كبير أو معاتبين أو مثنين مادحين أو معتذرين أو مستعطفين أو معزين عن خطب ألمّ بأصدقائهم أو فى فقيد عزيز، وتارة يؤيّنون وتارة يبكون وقد خنقتهم العبرات. وكثيرا ما كانوا يتراسلون، من ذلك مراسلات الطّغرائى الشاعر الكاتب والغزّى إبراهيم بن عثمان الذى مرت ترجمته بين الشعراء، ويقول العماد الأصبهانى: «كانت بينهما مكاتبات مفيدة وبينهما لنسب الفضل المودّة الوكيدة» ويسوق العماد للغزى رسالة اعتذار كتب بها إلى صاحبه جاء فيها (١):

لسان الحسود-أدام الله أيام المجلس السامى دام ساميا، ولبيضة المجد حاميا-إذا علق بعرض الكرام كان كالنار فى المندلىّ (٢)، يبوح بسرّ طيّه الخفىّ. . فإن وقع من السفهاء إفك فداعيته ما ظهر لهم من انتمائه، وانتساب مزنته إلى سمائه».

وانتخاب الغزى لألفاظه واضح، فهو يجيد الكتابة كما يجيد الشعر، وهو يعنى فيها بالتصاوير، وكان خصب الخيال، ومرت بنا فى ترجمته روائع طريفة من أشعاره. وكان ابن منير الطرابلسى الذى ترجمنا له بين الشعراء نزح عن دمشق إلى قلعة شيزر فى الشمال خوفا من ابن الصوفى وزير حاكمها آبق، وحاول صديق له هو زين الدين بن حليم أن يسترجعه إلى دمشق فكتب إليه يستدعيه، وأجابه ابن منير برسالة طويلة معتذرا يقول فيها (٣).

«إن جراحى إلى الآن لم تذق حلاوة الاندمال، وقروحها تزداد قرحا مع الحلّ والتّرحال، وبين جوانحى من الأين (٤)، لما لقيت بدمشق من الغبن، ما لا يحلّه إلا عقد الكفن، ولا يرفع حدثه إلا التيمم بصعيد (٥) المدفن. ويلقاك فلان وفلان من كل ذى خلق دميم (٦)، وخلق ذميم، وأصل لئيم، وفرع زنيم (٧)، ووجه لطيم، وقفا كليم (٨)، وهلم جرّا من عذاب أليم، وصراط فى الود غير مستقيم».

ولغة ابن منير لغة أدبية بديعة، وكما كان شاعرا بارعا كان كاتبا بارعا، تواتيه الكلمة وتنزل فى


(١) الخريدة (قسم الشام) ١/ ٢٧
(٢) المندلىّ: عود الطيب
(٣) الخريدة (قسم الشام) ١/ ٩٢
(٤) الأين: العناء.
(٥) الصعيد: التراب
(٦) دميم: قبيح. ذميم: مذموم
(٧) زنيم: دعىّ
(٨) كليم: جريح

<<  <  ج: ص:  >  >>