للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المصطلحات تصويرا لمهارته البيانية. وتحفل الرسائل بنقد خلقى واجتماعى وسياسى وأدبى، وأكثرها فى الثناء على من يكتب إليهم، وبينها رسائل شفاعة وتهنئة وتعزية وشوق، وتكتظ بسجعات بديعة كقوله فى فواتح رسالة كتب بها من بغداد إلى خاله أبى طاهر المشرّف بن سبيكة الحلبى:

«شوقى إلى سيدى الشيخ شوق البلاد الممحلة، إلى السحابة المسحلة (١)، وانتفاعى بقربه انتفاع الأرض الأريضة، بالأمواه الغريضة (٢)، وتشّوفى لأخباره تشوّف راعى أنعام (٣) أجدب فى عام بعد عام، لبارق (٤) يمان، هوله مرتقب ممان (٥). وأسفى لفقده أسف وحشيّة (٦)، رادت (٧) بالعشيّة، فخالفها السّرحان إلى طلا (٨) راد فحار (٩) فهى تطوف حول أميل (١٠)، وترى صبرها ليس بجميل. وتذكرى لأوقاته تذكر الفطيم ثدى الوالدة، والمقسم بالملح لبنى خالدة وانتظارى لقدومه انتظار تاجر مكة وفد (١١) الأعاجم، وربّ الماشية ظهور النّبت الناجم (١٢)».

وبدون ريب تعدّ رسائل أبى العلاء الشخصية فى الذروة من البلاغة، وهو دائما يعنى فيها بالسجع إلا قليلا، وقد يلتزم فيه ما لا يلزم كما فى هذه القطعة، فإن السجعتين فيها تتفقان لا فى الحرف الأخير فحسب المقابل للروى فى الشعر، بل فى حرفين أو ثلاثة حروف، ودائما نلتقى فى رسائله بالألفاظ الآبدة الممعنة فى الغرابة وإن لم تمعن فيها بهذه القطعة. وهو يستغل فى سجعاته معارفه الكثيرة التاريخية وغير التاريخية على نحو ما يلقانا فى هذه القطعة من إشارته إلى أن العرب كانوا يتعاقدون ويتعاهدون على الملح، وذكر عهدا لهم أقسموا فيه بالملح لبنى خالدة وهى خالدة بنت أرقم أم كردم وكريدم ابنى شعبة الفزاريين. والجناس الناقص مثل: «الممحلة والمسحلة» واضح فى القطعة، وكان يوشى سجعاته به وبغيره من محسنات البديع وخاصة الطباق والتصاوير.


(١) المسحلة: الممطرة
(٢) الأريضة: الطيبة. الغريضة: المبكرة
(٣) الأنعام: الابل.
(٤) البارق: السحاب يلمع فيه البرق، وجعله يمنيا حتى لا يخلف مطره
(٥) ممان: متطاول
(٦) يريد بقرة وحشيه
(٧) رادت: ذهبت تطلب الكلأ
(٨) الطلا: ولد البقر. السرحان: الذئب
(٩) حارهنا: تحير
(١٠) أميل: كثيب عال
(١١) يريد: قدوم وفود الحجيج الأجانب
(١٢) الناجم: الذى لا ساق له

<<  <  ج: ص:  >  >>