وما ترجم من ثقافات أجنبية، على أنه كان يحكم صنعته إحكاما بعيدا، ويروى عنه أنه كان يحوك القصيدة فى سنة، أما فى الأشهر الأربعة الأولى فكان ينظمها، وكان فى الأربعة الأشهر الثانية يصقلها وينقحها، أما فى الأربعة الأشهر الأخيرة فكان يعرضها على الرواة والنقاد حتى إذا وثق من جودتها أنشدها ممدوحيه، وما زال فى المحل المرموق من الشعر حتى توفى سنة ١٨٢ ويقال إنه مات مقتولا بيد شيعى انتقاما منه للعلويين.
سلم (١) الخاسر
من موالى تيم عشيرة أبى بكر الصديق، ولد بالبصرة وبها نشأ، واختلف الرواة فى سبب تلقيبه بالخاسر، فقيل إن أباه عمرو بن حماد خلّف له مالا كثيرا أنفقه على الشعر وفى اللهو فلقّب بذلك، وقيل بل لأنه اشترى بمصحف ورثه من أبيه طنبورا، وقيل أيضا إنه إنما لقّب بذلك لأنه باع مصحفا واشترى بثمنه دفتر شعر. ويقول أبو الفرج:«هو راوية بشار بن برد وتلميذه وعنه أخذ ومن بحره اغترف وعلى مذهبه ونمطه قال الشعر» وروى عنه أنه قال: «هل أنا إلا جزء من محاسن بشار، وهل أنطق إلا بفضل منطقه. . إنى لأروى له تسعة آلاف بيت ما يعرف أحد غيرى منها شيئا» ويقال إنه كان من أعرف الشعراء بأشعار الجاهلية.
ونراه فى مطالع حياته يمدح معن بن زائدة وعمر بن العلاء والى طبرستان وممدوح أستاذه بشار، وله يقول:
كم كربة قد مسّنى ضرّها ... ناديت فيها عمر بن العلاء
ورثى معنا حين توفى رثاء حارّا، وبنفس اللوعة رثى أبا جعفر المنصور، وفيه يقول:
عجبا للذى نعى الناعيان ... كيف فاهت بموته الشفتان
(١) انظر فى سلم وأخباره وأشعاره ابن المعتز ص ٩٩ والأغانى (طبعة الساسى) ٢١/ ٧٣ وتاريخ بغداد ٩/ ١٤٦ وابن خلكان ومعجم الأدباء ١١/ ٢٣٦ والوزراء والكتاب للجهشيارى انظر الفهرس.