الغزال أجمة أسود، به الشبل ناشئ مع بنت عمه التى تشبه ابنة البقرة الوحشية، وكل منهما يختلس النظر إلى الآخر تعبيرا عن غرام مكتنّ لا يشعر به الحى، وباللحظ وحده يضطرم الهوى، وطرف يغرى به وفؤاد لا يزال طاهرا بريئا. وهى لوحة بديعة لفتيات البادية. ومن قوله متغزلا:
هذا فؤادى أقصدته الأسهم ... من ذا يرى تلك الجفون ويسلم (١)
يا غرّة حكم الجمال لها على ... شمس الضحى وأصاب فيما يحكم
يضحى الخلىّ إذا رآها عاشقا ... والعقل توقظه اللحاظ النّوّم
وكأن قامتها ونغمة لفظها ... غصن عليه بلبل يترنّم
فقد أصابت فؤاده الأسهم المصوبة من عينى صاحبته، ويقول إن أحدا لا يسلم من تلك السهام إذا نظر إلى جفونها الجميلة، ويقول إنها غرة شديدة البياض حتى ليحكم الجمال لها على شمس الضحى، وهو مصيب فى حكمه، وإن الخلىّ الذى لم يتعود الحب حين يراها يصبح عاشقا للحاظها الفاترة الجميلة، ويشطح به الخيال، فيقول إنه يخيل إليك وقد رأيت قامتها الممشوقة تصدح بالغناء أنك ترى غصنا يتغنى فوقه بلبل جميل-ويقول:
هم نظروا لواحظها فهاموا ... وتشرب عقل شاربها المدام
يخاف الناس مقلتها سواها ... أيذعر قلب حامله الحسام
سما طرفى إليها وهو باك ... وتحت الشمس ينسكب الغمام
وأذكر قدّها فأتوح وجدا ... على الأغصان تنتدب الحمام
وأعقب بينها فى الصّدر غمّا ... إذا غربت ذكاء أتى الظلام
وهى قطعة بديعة بتصاويرها الرائعة، فحين نظروا إلى لواحظها سكروا وهاموا كشارب للخمر لم تبق له من عقله شيئا، والناس لفتنة عينيها يخافون من النظر إليها وطبيعى أن لا تخاف لأن الحسام لا يخيف حامله. وقد نظر إليها طرفه باكيا، وكأنها الشمس ينسكب تحتها الغمام، ويقول إنه يذكر قدها الممشوق فينوح كما ينوح الحمام على الأغصان، وإن بينها وبعدها أنشأ فى صدره غما كما ينشأ الظلام حين تغرب الشمس. وهى مقابلات فى غاية الطرافة وتدل على شاعرية خصبة. وقبيل وفاته سنة ٦٠٤ هـ/١٢٠٨ م نظم أشعارا زاهدة كثيرة.
٢ -
شعراء الوصف
الوصف قديم فى الشعر العربى يصف فيه الشعراء الطبيعة برياضها وأزهارها وحيوانها وصحرائها وزروعها حتى إذا تحضروا وصفوا القصور وأدوات الحضارة وملاهيهم المختلفة،
(١) أقصدته: أصابته.