للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ببعض القول، فهجاه حاجب، وبادله الهجاء، ولقّبه فى هجائه بالفيل، فأصبح ذلك علما عليه فسمّاه الناس حاجبا الفيل، وله يقول فى بعض أهاجيه:

أحاجب! لولا أن أصلك زيّف ... وأنك مطبوع على اللؤم والكفر

وأنى لو أكثرت فيك مقصّر ... رميتك رميا لا يبيد يد الدهر

وله أشعار كثيرة فى مدح المهالبة ورثائهم، وقد بكى يزيد حين قتل فى معاركه مع بنى أمية طويلا، وهو فى مديحه ورثائه لهم يستشعر عصبية القبيلة استشعارا قويّا. وأكبر الظن أنه توفى قبل نهاية العقد الأول من القرن الثانى.

[٣ - شعراء النقائض]

هيأ استعار العصبيات فى البصرة وخراسان لاشتعال الهجاء طوال هذا العصر، كما هيأ لنمو فن النقائض نموّا واسعا، وقد أعدّت لهذا النمو أسباب كثيرة، يرجع بعضها إلى عوامل اجتماعية وبعضها إلى عوامل عقلية. أما العوامل الاجتماعية فمردّها إلى حاجة المجتمع العربى خاصة فى البصرة إلى ضرب من الملاهى يقطع به الناس أوقاتهم الطويلة. ودائما حين تنشأ المدن تنشأ معها أوقات فراغ تبعث أهلها على أن يملئوها إما بالدرس والنظر العقلى وإما بلهو يختلفون إليه.

وفعلا نهضت-كما رأينا فى غير هذا الموضع-دراسات دينية وعقلية مختلفة، وكان لا بد أن ينشأ بجانبها نوع من أنواع الملاهى يجد فيه الفارغون من العمل تسليتهم، وقد رأينا المدينة ومكة تقبلان على الغناء وتجدان فيه حاجة أهلهما من التسلية واللهو. ولم تتجه قبائل العراق هذا الاتجاه، إذ كانت شديدة الصلة بحياتها البدوية القديمة، وأخذت نيران الهجاء تشتعل فيها اشتعالا شديدا.

حينئذ انبرى الهجّاءون يملأون أوقات الناس هناك بأهاجيهم، وسرعان ما تحولوا بها إلى نقائض مثيرة، فشاعر قبيلة من القبائل ينظم قصيدة من القصائد فى الفخر بقبيلته وأمجادها ويتعرض لخصّومها من القبائل الأخرى فينبرى له شاعر

<<  <  ج: ص:  >  >>