للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ج‍) الطولونيون (١)

هم أول أسرة حكمت مصر حكما مستقلا، وحقّا كانت تتبع الخلافة العباسية، غير أن تبعيتها لها كانت اسمية، وزعيم هذه الأسرة ومؤسس دولتها أحمد بن طولون، وهو تركى الأصل، كان أبوه طولون من موالى المأمون والمقربين منه، ورزق بابنه أحمد سنة ٢٢٠ فعنى بتربيته، وبدأ بحفظ القرآن الكريم حتى أتقنه، وأكب على حلقات العلماء وخاصة فقهاء الأحناف يتزود منها.

وما زال أبوه يخدم الخلفاء حتى توفى فى عهد المتوكل، ففوّض لأحمد ما كان لأبيه من الأعمال، وولى بعض الثغور، وكان شديد الإزراء على الترك فى معاملتهم السيئة للخلفاء، ونال الحظوة عند الخليفة المستعين، وحاول الأتراك أن يدفعوه إلى المشاركة معهم فى مقتله فأبى ذلك. ولم تلبث مصر أن أقطعت لزوج أمه بايكباك، فأنابه عنه فى حكمها سنة ٢٥٤ وسرعان ما أخذ يعمل على الاستقلال بها. وبدأ ذلك بأن جمع فى يده شئونها المالية بجانب شئونها الإدارية، واتخذ جيشا ضخما بلغ عداده مائة ألف، وفى أثناء ذلك ضمّت إلى حكمه الإسكندرية وبرقة، ولا نصل إلى سنة ٢٦٤ حتى تضم إليه الشام. وبلغ خراج مصر فى زمنه أربعة ملايين وثلاثمائة ألف دينار، مما جعله يتسع فى إقامة المبانى والمؤسسات. وكان قد سكن العسكر فى أول أمره شأن الولاة من قبله، ثم أخذ فى بناء مدينته القطائع، بادئا بقصره الكبير ثم بقطائع لجنده من الترك والنوبة والروم ولحواشيه من القواد وكبار الموظفين. وعنى ببناء مسجده الكبير، وبنيت مساجد كثيرة وطواحين وحمامات وأفران وحوانيت. وجعل أمام قصره ميدانا كبيرا يلعب فيه بالكرة، ولما عظم أمره كان يطعم الفقراء والمساكين كل يوم، ويقال إن صدقاته كانت تبلغ فى السنة أكثر من مليونى دينار، وبنى مارستانا ضخما، واتخذ لنفسه ديوانا كبيرا على شاكلة دواوين الخلافة. وحدثت خصومة بينه وبين الموفق ولى عهد الخليفة المعتمد وقائده، مما أدى إلى اشتباك جيوشهما. وعنى فى دولته بأن ينقل إليها الأنظمة الفارسية التى كانت متبعة فى بغداد وسامراء. وأخذ البيعة من بعده لابنه خمارويه. ولم يلبث ابن طولون أن توفى سنة ٢٧٠.


(١) انظر فى الطولونيين تاريخ الطبرى واليعقوبى وابن الأثير وابن خلدون والجزء الثالث من النجوم الزاهرة والمغرب لابن سعيد (طبع جامعة القاهرة) ص ٧٣ وما بعدها والولاة للكندى (طبعة صادر) ص ٢٣٩ وما بعدها وخطط المقريزى ١/ ٥٨٩ وسيرة أحمد بن طولون للبلوى (طبعة محمد كرد على) وراجع أحمد بن طولون وخمارويه والطولونيين فى دائرة المعارف الإسلامية وتاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان ص ٢٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>