وصف فيها القصر الذى أنشأه المنصور بصبرة إحدى ضواحى المهدية، وفيه يقول:
بنى قبّة للملك فى وسط جنة ... لها منظر يزهى به الطّرف مونق
لها جدول ينصبّ فيها كأنه ... حسام جلاه القين بالأرض ملصق
لها مجلس قد قام فى وسط مائها ... كما قام فى فيض الفرات الخورنق
إذا بثّ فيها الليل أشخاص نجمه ... رأيت وجوه الزّنج بالنار تحرق
والصور بديعة فالجدول كأنه حسام جلاه القين أو الحداد فهو يلمع أشد اللمعان بما فيه من مياه، وهو ملقى على الأرض بل ملصق بها لا يتركها أبدا، وقد قام وسط الماء مجلسها، وكأنه قصر الخورنق الذى بناه المنذر بن ماء السماء قديما على ضفة الفرات، حتى إذا دجا الليل وانتثرت النجوم على صفحة السماء رأيت وجوه الزنج تحرق بالنار. وتتكاثر هذه الصور وما يماثلها فى شعر الإيادي مما يدلّ بوضوح على ثراء ملكته الشعرية، وقد توفى سنة ٣٦٥ هـ/٩٧٦ م.
الكاتب (١) الرقيق إبراهيم بن القاسم القيروانى
نشأ وتربّى فى القيروان وإليها نسب، وهو شاعر باديس ورئيس الإنشاء فى الدولة الصنهاجية لمدة خمس وعشرين سنة، وهو مؤرخ إفريقية الكبير، وتاريخه فيها وفى المغرب فى عدة أجزاء، لم تنشر منه حتى الآن سوى قطعة صغيرة، ويقول عنه ابن خلدون فى مقدمته: «الرقيق مؤرخ إفريقية والدول التى كانت بالقيروان ولم يأت من بعده إلا مقلد له» ويقول ابن رشيق: «هو شاعر سهل الكلام محكمه لطيف الطبع قويّه، تلوح الكتابة على ألفاظه، غلب عليه اسم الكتابة وعلم التاريخ وتأليف الأخبار، وهو بذلك أحذق الناس، وله فى باديس أشعار مختلفة منها قوله:
وما مثل باديس ظهير خلافة ... إذا اختير يوما للظهيرة موضع
نصير لها من دولة حاتميّة ... إذا ناب خطب أو تفاقم مطمع
حسام أمير المؤمنين وسهمه ... وسمّ زعاف فى أعاديه منقع
فباديس ظهير الخلافة وعونها ونصيرها الأكبر حين تنوب كارثة أو يتفاقم خطب، إنه حسام أمير المؤمنين وسهمه وسمّ قاتل لأعاديه. وله قصيدة يصف فيها وقعة حربية استبسل فيها باديس بشلف قرب المحمّدية (المسيلة) سنة ٤٠٥ وكتب له فيها النصر على أعدائه، يقول:
(١) انظر فى الكاتب الرقيق معجم الأدباء ١/ ٢١٦ وفوات الوفيات ١/ ٤١ وابن رشيق فى الأنموذج ص ٥٥ ومجمل تاريخ الأدب التونسى ص ١٢١.