شك فيها. وحسبنا الآن أن نعرض شاعرين من شعراء الخمر والمجون فى العصر هما أبو بكر القهستانى وأبو الحسن الباخرزىّ.
أبو بكر (١) القهستانىّ
هو على بن الحسن القهستانى من قرية رخّج من قرى كابل، بزغ نجمه فى دولة السلطان محمود الغزنوى، إذ سلكه بين ندمائه ووظفه فى دواوينه، واتصل بابنه محمد، وأصبح رئيسا لديوانه فى أثناء ولايته لأبيه على خوزستان، وكان ممدّحا، مدحه كثيرون منهم الباخرزى والفرّخى السجستانى الشاعر الفارسى المشهور، وكان يمدح بدوره الأمير محمد الغزنوى، بمثل قوله:
محمد بن محمود أبو أح ... مد مولى أمير المؤمنينا
جلال الدولة العلياء دنيا ... جمال الملّة الغلباء دينا
ولىّ العهد عهد الملك طوبى ... لنا إذ ظلّ ظلّ الله فينا
وهو يشير إلى تولية السلطان محمود لابنه محمد ولاية العهد من بعده دون أخيه مسعود.
وتعدّ الفترة التى قضاها معه أزهى فترات حياته، فقد كان يحس بإقبال الدنيا عليه، وخاصه حين كان يتولى قيادة جيوشه. وقد تحول بمجلسه فى ديوانه إلى ندوة أدبية كبيرة كان ما ينى يمزح فيها وفى مجالس أميره بإنشاد بعض الألغاز المعمّاة وامتحان الأدباء والندماء فيها من مثل قوله:
دقيقة الساق لا عروق لها ... تدوس رزق الورى بهامتها
وهو لغز أراد به مغرفة الباقلاّنى يغرف بها الماء ويهشم برأسها الخبز والثريد وهو رزق الورى. وتكثر هذه الألغاز منذ فاتحة العصر، ونراها مبثوثة فى كتاب اليتيمة فى أشعار ابن العميد وغيره، وكأنها دعابات كانت تطفو فى مجالس الأدباء والوزراء. ويتولى محمد مقاليد الحكم بعد أبيه سنة ٤٢١ غير أن أخاه مسعودا يسلبه منه كما مرّ بنا فى غير هذا الموضع. ونرى القهستانى يترك بلاط الغزنويين ودواوينهم إلى بغداد، فيمدح الخليفة القادر بالله (٣٨٢ - ٤٢٤ هـ) قائلا:
ولم يرنى ذو منّة غير خالقى ... وغير أمير المؤمنين ببابه
ويمدح وزيره وكاتبه أبا طالب بن أيوب، كما يمدح المرتضى نقيب الشيعة ويبدو أنه
(١) انظر فى القهستانى تتمة اليتيمة ٢/ ٧٣ ودمية القصر ٢/ ٢١١ ومعجم الأدباء ١٣/ ٢١ وحدائق السحر فى دقائق الشعر (نشر الدكتور إبراهيم أمين) ص ١٠٠.