ظل ببغداد إلى نهاية العقد الثالث من القرن الرابع، حتى إذا استولى السلاجقة من السلطان مسعود الغزنوى على خراسان سنة ٤٣١ وضع يده فى أيديهم إلى أن توفى. ولا تعرف بالضبط سنة وفاته. وكان مثقفا ثقافة واسعة، إذ يقول القدماء إنه عنى بتحصيل علوم الأوائل حتى اتهمّه بعض معاصريه بالمروق من الدين. ويقول ياقوت إنه كان كثير المزاح، راغبا فى اللهو والمراح، وله فى ذلك خاطر وقّاد وحكايات متداولة. وله خمريات بديعة.، كان يتغنى فيها المغنون بحضره الأمير محمد الغزنوى من مثل قوله:
قم يا خليلى فاسقنى ... كشعاع خدّك من شراب
فلقد يمرّ العيش من ... قرضا ولا مرّ السّحاب
فانعم بعيشك ما استطع ... ت ولا تضع شرخ الشباب
فلكم أضعت من الشبا ... ب وما استفدت سوى اكتئاب
وهو يدعو صديقه دعوة حارة إلى الشراب، قبل أن يفنى عمره الذى يمر مسرعا مرّ السحاب، وقبل أن تذيل زهرة شبابه، وكم أضاع من أيام الشباب، ولم يفد-كما يقول-سوى الاكتئاب والغم والحسرات، ويهتف به ثانية:
تمتّع من الدنيا فأوقاتها خلس ... وعمر الفتى-ملّيت-أطوله نفس
وسارع إلى سهم من العيش فائز ... فما ارتدّ سهم قطّ يوما ولا احتبس
ولا تتقاض اليوم همّ غد ودع ... حديث غد فالإشتغال به هوس
وهى دعوة ملتهبة لانتهاز فرصة الشراب، فليس فى الدنيا وراءه-فى رأيه-نعيم ولا متاع، ودعك من الهموم كما يقول، ودع التفكير فى الغد. وهى نفس النغمة التى نجدها فى رباعيات الخيام الفارسية، فالحياة فانية، وهى سريعة الفناء، وعلى الإنسان أن يتدارك يومه، بل اللحظة التى هو فيها، ليشرب وينعم بالشراب، إذ هو زيت الروح، بدونه تنطفئ وتظلم، وبه تضيئ ضوء الفرح والبهجة والمرح. ودائما تلقانا هذه الخمريات البهيجة عند القهستانى وأنداده من شعراء إيران، وإنه ليعلن دائما أنه سيظل ما عاش يشرب الخمر صفوا. وله وراءها غزليات وأهاج فى الوزير الميمندى كاتب السلطان محمود الغزنوى وبعض معاصريه، وله بعض مقطوعات كان يتصنع فيها للجناس ما وسعه التصنع كمقطوعته: