وهو يهنئ المنصور بالنصر الذى قطفه بأسلحته من الرماح والسيوف وحازه من دون الملوك فى منازل الكفاح، وإنه لحرى أن يسعد فقد دانت له الملوك وألقت له عن يد صاغرة، وإنه للطاهر المنصور من ذرية هاشم وبيته النبوى، وإنه لجوهرة العقد الفريدة وبحر السماح وغيثه المدرار، وإنه لفتح سيظل ينمو ويمد جناحه فيشمل كل ما حول المغرب الأقصى من الديار، ويدعو له أن تظل الأقطار تفتح أبوابها لجيوشه طوال الدهر لسعده العظيم الذى لا يحد. وقد أشار فى الأبيات إلى أن المنصور من بيت بنى هاشم بيت النبوة، وهو يردد ذلك فى مدائحه مرارا وتكرارا بمثل قوله:
الملك أصبح ثابت الأساس ... بابن النبىّ الطاهر الأنفاس
يروى أحاديث العلا عن مرسل ... طهرت خلائقه من الأدناس
وكانت الأسرة السعدية تنتسب إلى الرسول الطاهر، فمضى يبدئ فى هذا النسب الشريف ويعيد منوها ومشيدا بصور مختلفة.
الدغوغى (١)
هو أبو العباس أحمد الدغوغى، من شعراء الزاوية الدلائية فى القرن الحادى عشر الهجرى، ومرّ بنا فى الفصل الأول أنه أسس هذه الزاوية فى بادية تادلة أبو بكر الدلائى سنة ٩٧٤ هـ/١٥٦٧ م وأن محمدا ابنه نهض بها إذا استكثر فيها من عمارة الدور والدكاكين وسائر المرافق ووقف على شيوخها وطلابها ما يكفيهم من مئونة. وأمّها كثيرون من علماء المغرب يدرسون فيها ويتحلق من حولهم الطلاب، وسرعان ما أصبحت مركزا كبيرا من مراكز الثقافة والأدب، ولولا تعرضها لمسائل السياسة لظل لها فى الأدب وشئون الثقافة دور مهم، إذ قضى عليها المولى رشيد وهدم عمارتها سنة ١٠٧٩ للهجرة ونقل شيوخها وعلماءها إلى فاس. والمهم أن محمد بن أبى بكر الدلائى مؤسسها الحقيقى كان يحفّ به كثيرون من الشعراء فى مقدمتهم أحمد الدغوغى الذى قصر عليه جمهور أشعاره، حتى ليصبح شاعره الرسمى الذى ينطق باسمه فى مواقفه العلمية وجهاده نصرة للدين الحنيف، ويصوره زعيما دينيا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، وكان لوعظه أصداء بعيدة فى القبائل المتبدّية إذ تستجيب له مذعنة مستشعرة له الولاء، ولدعاته الذين ينهونهم عن اقتراف الآثام والتوبة منها والعمل الصالح. وللدغوغى يمدحه:
(١) انظر فى الدغوغى وترجمته وأشعاره كتاب الشعر الدلائى لعبد الجواد السفاط «طبع الرباط» وراجع فى الزاوية الدلائية كتاب الدكتور حجى عنها (طبع الرباط).