للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعلّ ما نرجو تجود به ... كفّ الزمان ويسعد الجدّ

وهو يعجب فهذه ديار المحبوبة: العذيب ونجد، وهو لا يزال يبكى، وآن له أن يكف عن بكائه، فتلك أعلام ربع محبوبته تبدو، فحق له أن يسرح دموع العين ويشدو بذكر الماضى من عهد الأحبة، بل إنه ليدعو المحب إلى لثم مواطئ أقدامهم إن عاقه عنهم البعد ولم يستطع سريعا لقاءهم، ويأمل أن تجود له كف الزمان بأمنيته ويساعده الحظ فى نيلها. ويقول متغزلا:

خلّيانى يا صاحبىّ ونجدا ... هجتما بالملام شوقا ووجدا

فلنجد بين الجوانح ودّ ... مستجدّ ما دام ربعا لسعدى

لا تقولوا مرام سعدى بعيد ... ربّ سعد أتى فقرّب بعدا

أهل ودّى ما حلت عن حفظ عهدى ... وهواكم ما غيّر النّأى عهدا (١)

وهو يطلب إلى صاحبيه أن يدعاه ونجدا ويكفّا عن لومهما فإنه كالريح تزيد نار وده المستكنة بين جوانحه اشتعالا بتعلقه بسعدى، ولا تقولا إن ربع سعدى بعيد، فرب سعد حدث فقرّب الربع والديار، ويلتفت إلى سعدى قائلا لها إنه لا يزال على العهد ويقسم لها بحبها ما غير العباد له عهدا ولا حبا. ويلومه عذول فى تعلقه بمحبوبته تعلقا مسرفا، فيقول له:

ردّ لى قلبى لتعذله ... فهو فى كفّيه أجمعه

لفظه درّ يساقطه ... ونطاق السّمع يجمعه

فقلبه ليس معه ليعذله، بل هو مع صاحبته، وإنه ليتراءى له جمال لفظها وهى تنثره دررا ونطاق سمعه يجمعها دررا وراء درر. ولعل فى ذلك كله ما يصور افتنانه فى غزله ورقته.

محمد (٢) ماضور

من أسرة فاضلة من الأسر الأندلسية التى نزلت الإقليم التونسى فى القرن الحادى عشر الهجرى واستقرت ببلدة سليمان، منشئة فيها كثيرا من البساتين وحقول الحبوب المتنوعة، وولد بتلك البلدة محمد لأبيه محمد ماضور أحد علمائها الأفاضل سنة ١١٥٠ هـ‍/١٧٣٧ م وفيها منشؤه ومرباه على أبيه وعلمائها حتى إذا أصبح شابا تحول إلى تونس وجامعتها الزيتونة، فنهل من حلقات علمائها، وأعجبهم فيه ذكاؤه، فأسندوا إليه-حين استكمل دراسته-الدرس للطلاب بتلك الجامعة، وعاد إلى بلدته «سليمان» إماما وخطيبا بجامعها، حتى إذا توفى أبوه حلّ محله فى


(١) حلت: تغيرت. النأى: البعد.
(٢) انظر فى ترجمة محمد ماضور مجمل تاريخ الأدب التونسى ص ٢٦١ والأدب التونسى فى العهد الحسينى للهادى الغزى ص ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>