بغضائه. وإنه ليلقاه بعزم كالشهاب الثاقب تعلو ناره على نيرانه وتخمدها فلا تشتعل ضده أبدا. ونقف عند شاعرين من شعراء الفخر والهجاء، هما نشوان بن سعيد الحميرى وسليمان النّبهانى العمانى.
نشوان بن سعيد الحميرىّ (١)
من أهل جبل شامخ مطلّ على «تعزّ» اسمه صبر، ولا يعرف بالضبط تاريخ مولده، وتدل نسبته إلى حمير أنه من سلالتها، وكان ملوكها يسمون بالأقيال والأذواء، ونراه ينسب نفسه فى قصيدته الحميرية إلى قيل يدعى ذا سحر، يقول:
أو ذو مراشد جدّنا القيل ابن ذى ... سحر أبو الأذواء رحب الساح
ويبدو أنه أكبّ منذ نشأته على العلوم المختلفة ينهل منها، حتى أصبح علما فى اللغة والتاريخ والنحو والفقه والأصول وعلوم الأوائل وعلم الكلام، وينص من ترجموا له على أنه كان معتزليا. وذكروا أنه اشتغل بالقضاء فى بعض مخاليف اليمن وأنه كانت له فى الفرائض (المواريث) وقسمتها يد. وله مصنفات مختلفة، أشهرها «شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم» فى نحو ثمانية مجلدات، وذكرنا فى الفصل الثانى أنه معجم لغوى، وهو فيه لا يكتفى بالحديث عن اللغة بل يتسع بالحديث عن المعادن والحيوانات والنباتات والتاريخ وبعض مسائل الطب والفلسفة. وبذلك حوّله إلى دائرة معارف لغوية وجغرافية وتاريخية ونباتية وحيوانية وطبية وقد طبع من القسم الأول إلى آخر حرف الثاء فى ليدن، ثم طبع منه جزآن فى القاهرة إلى آخر حرف الشين، ويتخلل الكتاب فخر عارم باليمن وفضائلها وملوكها الأولين. وله رسالة الحور العين وقد طبعت مع شرحها طبعة سقيمة. وطبعت له بالقاهرة القصيدة الحميرية مع شرحها المسمى «خلاصة» السيرة الجامعة لعجائب أخبار الملوك التبايعة، وهى فى أكثر من مائة وثلاثين بيتا، استهللها بقوله:
الأمر جدّ وهو غير مزاح ... فاعمل لنفسك صالحا يا صاح
ومضى قليلا فى الوعظ ثم خرج إلى تعداد ملوك التبابعة والأقيال والأذواء، والقصيدة بذلك من الشعر التعليمى التاريخى. وقد نال شهرة مدوية فى وطنه
(١) انظر فى ترجمة نشوان معجم الأدباء ١٩/ ٢١٧ وإنباه الرواة للقفطى ٣/ ٣٤٢ والخريدة (قسم الشام) ٣/ ٢٦٨ و ٣٨٥ وبغية الوعاة للسيوطى ومقدمات محققى كتبه ومقالة المستشرق ستر ستين عنه فى الجزء الأول من كتاب المنتقى من دراسات المستشرقين (طبع القاهرة) ص ٧٥.