للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لعصره، لمعارفه الواسعة، ويبدو أنه لم يكتف بالمجد العلمى فقد رأى أن يضيف إليه مجد الحكم والسلطان، واستطاع فعلا أن يستقل بجبل صبر موطنه وقلاعه وحصونه وأن يظل ممسكا بصولجان الحكم فيه حتى وفاته سنة ٥٧٣ للهجرة. وما تأليفه القصيدة الحميرية إلا صورة من صور اعتزازه اعتزازا لا حدّ له بقحطانيته. وهو يسوق أشعاره جميعها فى هذه العصبية المغرقة لقحطان من مثل قوله:

منا التّبابعة اليمانون الألى ... ملكوا البسيطة، سل بذلك تخبّر

من كلّ مرهوب اللقاء معصّب ... بالتاج غاز بالجيوش مظفّر

تعنو الوجوه لسيفه ولرمحه ... بعد السجود لتاجه والمغفر (١)

فافخر بقحطان على كل الورى ... فالناس من صدف وهم من جوهر

وإذا غضبنا غضبة يمنيّة ... قطرت صوارمنا بموت أحمر

فغدت وهاد الأرض مترعة دما ... وغدت شباعا جائعات الأنسر

والأبيات تحمل عصبية عنيفة، وهى عصبية لا يشيد فيها بالملوك والتبابعة الأولين من قومه، بل أيضا لا تزال الحماسة تشتد به وتتأجج فى صدره، حتى يجعل قحطان فوق الورى والناس جميعا، بل حتى يجعلهم من معدن غير معدنهم، فهم من جوهر والناس من صدف، ولا كغضبهم، فغضبهم يملأ الوهاد دما وأشلاء ما تزال تحط عليها النسور والصقور، تملأ بطونها الجائعة. ولم يكتف بهذه العصبية الجامحة لقومه ضد مضر والعالم جميعه، فقد اندفع فى نقائض مع الأشراف الرسيين أصحاب صعدة، وشاع أنه قال:

أما الحسين فقد حواه الملحد ... واغتاله الزمن الخئون الأنكد

فتبصّروا يا غافلين فإنه ... فى ذى عرار ويحكم مستشهد (٢)

وحين وصل البيتان إلى أسماع الرّسّيّين غضبوا غضبا شديدا، وعظم هياجهم، وردوا عليه بعنف، مهددين متوعدين بمثل قول عبد الله بن قاسم الزيدى:

أما الصحيح فإن أصلك فاسد ... وجزاك منا ذابل ومهّند (٣)

فى قصيدة طويلة. ووصلت أسماع نشوان، فلم يخلد إلى الصمت والسكوت، بل مضى يردّ بقصيدة دالية يقول فيها:

من أين يأتينى الفساد وليس لى ... نسب خبيث فى الأعاجم يوجد

لا فى علوج الروم جدّ أزرق ... أبدا ولا فى السّود خال أسود


(١) تعنو: تنقاد. المغفر: زرديضعه المحارب تحت القلنسوة.
(٢) العرار: زهر بدوى ويقصد بذى العرار أن الحسين استشهد بالفلاة قرب الكوفة مكان النجف الحالية.
(٣) ذابل: رمح. مهندا: سيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>