للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن الزّقاق (١) اللّخمى

هو أبو الحسن على بن إبراهيم بن عطية اللخمى البلنسى المعروف باسم ابن الزّقاق، وهو ابن أخت الشاعر الأندلسى المشهور ابن خفاجة، رزق به أبوه فى أواخر العقد التاسع من القرن الخامس الهجرى، ويصل بعض مترجميه بين أبيه وبين أسرة المعتمد بن عباد أمير إشبيلية فى عصر أمراء الطوائف، ويقولون إنه حين خلع يوسف بن تاشفين المعتمد من إمارة إشبيلية اختفى الأب وهاجر إلى بلنسية، واستوطنها، وعمل بها مؤذنا بمسجدها الكبير. وفى نفح الطيب رواية تزعم أن أباه كان فقيرا جدا وأنه كان صاحب حانوت يكبّ فيه على صناعة الزّقاق، وأنه كان يتلوم ابنه لسهره ليلا يشتغل بالآداب، لما يكلفه ذلك من الزيت الكثير لمصباحه، ويقال إنه نال بأولى قصائده فى أمير بلنسى ثلاثمائة دينار، فأتى بها إلى أبيه ووضعها فى حجره، وقال له: اشتر بها زيتا، ونظن ظنا أن هذا الخبر غير صحيح وأن صاحبه حاول به تفسير لقب أبيه المتصل باسمه: ابن الزقاق. ولا نعرف أهذا اللقب كان لأبيه أو لأحد أجداده، ويغلب أن لا يكون له أى صلة بزقاق الخمر وأن هذا الأب أو الجد لقب «زقّاقا» لسمنه الزائد وانتفاخ كرشه، كما أشارت إلى ذلك عفيفة ديرانى محققة ديوانه. وعنى الأب بتربية ابنه لما رأى فيه من مخايل الذكاء حتى إذا شبّ لزم دروس ابن السيد البطليوسى وعلى يديه درس العربية والآداب. وتفتحت موهبته مبكرا، وأخذ يلفت نظر الشعراء والأدباء فى بلدته. وامتدح بعض الكبراء من بنى عبد العزيز أمراء بلنسية قديما قبل مولده وبعض القضاة ويحيى بن غانية أمير بلنسية ومرسية لعهد على بن يوسف بن تاشفين. وكان قليلا ما يمدح أميرا أو كبيرا، إذ كان يترفع عن المديح، ونوه بذلك مرارا فى شعره من مثل قوله:

أنا من تمنّته الملوك فلم أعج ... منها على ذى طارف وتلاد (٢)

فالملوك لزمنه كانت تتمنى أن يصوغ لهم شيئا من مدائحه، وكان يتمنّع عليهم لإباء نفسه وشعوره العميق بكرامته. وفى الديوان مراث مختلفة وبينها مرثية حارة فى سيدة


(١) انظر فى ترجمة ابن الزقاق وشعره المغرب ٢/ ٣٢٣ والتكملة ص ٦٦٣ والمطرب ص ١٠٠ وما بعدها. والنفح ٣/ ١٩٩ و ٢٨٩. والديوان تحقيق عفيفة محمود ديرانى (طبع دار الثقافة ببيروت) ومقدمتها له وما بها من مصادر.
(٢) أعج من عاج: التفت. تلاد: قديم ضد طارف.

<<  <  ج: ص:  >  >>