للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لعلها زوجته كما ترجح محققة الديوان، وقد رزق منها بنجلين: محمود وإبراهيم، ويصور حبه لهما وعاطفته الأبوية نحوهما بإحدى قصائده. والديوان موزع بين موضوعين كبيرين هما الغزل وحب الطبيعة، والغزل تارة يقدم به إحدى قصائد المديح، وتارة ثانية يخلطه بالطبيعة مضيفا إلى النشوة بها النشوة بالخمر، ومن بواكير غزله قوله فى مقدمة إحدى مدائحه:

يا شمس خدر ما لها مغرب ... أرامة خدرك أم يثرب (١)

ذهبت فاستعبر طرفى دما ... مفضّض الدّمع به مذهب

ناشدتك الّله نسيم الصّبا ... أنّى استقرّت بعدنا زينب

لم تسر إلا بشذى عرفها ... أولا فماذا النّفس الطيّب (٢)

إيه وإن عذّبنى حبّها ... فمن عذاب النفس ما يعذب

وتتضح فى هذه الأبيات المبكرة-كما يقول الرواة-الخاصة الفنية الرائعة التى أشار إليها أبو الوليد الشقندى فى بيانه براعة الأندلسيين فى الشعر، وهى أن ابن الزقاق يتناول فى أشعاره الصور والأخيلة التى تداولها الشعراء قبله مرارا وتكرارا حتى غدت كالثوب الخلق البالى، فإذا هو يبثّ فيها حياة وحيوية فتصبح جديدة نضرة مغربا فى ذلك أحسن إغراب وأطرفه، على نحو ما يتضح فى تلك الأبيات، فقد أخذ عن الشعراء استعارة الشمس لصاحبته فى البهاء والجمال، وأضاف إليها أنها شمس لا تغرب، إذ ما تنى طالعة فى خدرها مشرقة، ويناشد نسيم الصبا أين مستقر صاحبته؟ ويذكر أن شذاها يفوح لا من حولها فحسب، كما يقول الشعراء، بل فى النسيم ذاته بدليل أنفاسه المحملة بأريج هذا الشذى، ويقول:

سل الرّيح عن نجد تخبّرك أنها ... معطّرة الأنفاس مذ سكنت نجدا

وأنّ الغضا والسّدر مذ جاورتهما ... بطيب شذاها أشبها البان والرّندا

فصاحبته منذ سكنت نجدا أحالت الريح فيها إلى أنفاس معطرة، بل لقد أحالت الغضا والسدر من أشجار البادية العادية إلى أشجار البان والرند التى طالما ذكرها الغزلون واستدارت من حولها فى أخيلتهم هالات الجمال لمحبوباتهم. ومن قوله فى مقدمة إحدى مدائحه:


(١) الخدر: البيت. رامة: موضع بنجد. يثرب: المدينة.
(٢) شذى العرف: رائحة الطيب العطرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>