للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد مررت على الكثيب فأرزمت ... إبلى ورجّعت الصّهيل جيادى (١)

ما بين ساحات لهم ومعاهد ... سقيت من العبرات صوب عهاد (٢)

والورق تهتف حولهم طربا بهم ... وبكل محنية ترنّم شادى (٣)

والبيت الأول يكتظ بالحنين لصواحبه وراء الكثيب وحوله، حتى الإبل جمدت فى مكانها ولا تريد أن تفارقه، وتجاوبت الخيل بصهيلها، فهى لا تريد أن تبرحه. ويدعو لساحاتهن ومعاهدهن أن تظل تسقى بعبرات المحبين، ويسوق الحمام الورق لا ليصور فيه حنينه وأنينه لفراق صواحبه على عادة الشعراء، بل ليصور بهجته، فهو يشدو لهن طربا.

وتكثر فى غزله مثل هذه الصور الطريفة من مثل قوله فى وصف دقة الخصر:

أسائلها أين الوشاح وقد أتت ... معطّلة منه معطّرة النّشر

فقالت وأومت للسّوار نقلته ... إلى معصمى لما تقلقل فى خصرى

وقوله:

وقفت على الربوع ولى حنين ... لساكنهنّ ليس إلى الرّبوع

ولو أنى حننت إلى مغانى ... أحبّائى حننت إلى ضلوعى

وقوله:

تحاذر من عمود الصبح نورا ... مخافة أن يلمّ بنا افتضاح

ولم أر قبلها واللّيل داج ... صباحا بات يذعره صباح

والتعبير عن نحول الخصر بنقل السوار إليه تعبير طريف، وبالمثل تعبيره عن أضلاعه بأنها غدت معاهد وربوعا لمحبوباته، وتصويره لما جال فى نفس صاحبته من خوف بل من ذعر حين أخذت تتفلّت فى الأفق تباشير الصباح، ويعجب لفزع صباح إنسى من صباح كونى. وقد توفى ابن الزقاق سنة ٥٢٨ ولم يبلغ الأربعين من عمره، ولعل فيما قدمنا ما يكفى للدلالة على خصب شاعريته وأخيلته.


(١) أرزمت: حنّت.
(٢) العهاد: المطر فى أول الشتاء. وصوبه: الساقط منه.
(٣) الورق: الحمام. محنية: منعطف.

<<  <  ج: ص:  >  >>