والمعرفة العقلية الخالصة. ونحن إنما لمسنا السطح فقط لنصور فلسفة الفارابى، وهى فلسفة إسلامية عقلية استمدّت من روحانية الإسلام ومن نظريات العقل ومن أفكار الفلاسفة وخاصة أرسطو وأفلاطون مازجة بين هذه العناصر جميعا، مستخلصة منها فلسفتنا الإسلامية الوسيطة وأصولها السديدة.
[٣ - علوم اللغة والنحو والبلاغة والنقد والتاريخ]
رأينا فى كتاب العصر العباسى الأول مدى التنافس الذى نشب بين علماء البصرة والكوفة فى جمع اللغة وكيف كانوا يرحلون إلى نجد والبوادى ومعهم قوارير المداد وأحمال الصحف ليدوّنوا كلمات اللغة من ينابيعها الأصلية. وقد مضى كثيرون من علماء البلدتين وتلاميذهما ببغداد فى هذا العصر يخرجون إلى البادية ونجد لمشافهة الأعراب والسماع منهم لما يجرى على ألسنتهم من أقوال وأشعار وأضافوا إلى ذلك ما سمعوه من أساتذتهم الأصمعى والمفضل الضبى وأبى زيد وأضرابهم. وأخذ تلاميذهم يحملون عنهم رواياتهم، وسرعان ما تكوّن فى هذا العصر السند. إذ يقول العالم اللغوى مثل الأشناندى أبى عثمان سعيد بن هرون المتوفى سنة ٢٨٨: عن التوّزى أبى محمد عبد الله بن محمد بن هرون المتوفى سنة ٢٣٣ عن أبى نصر أحمد ابن حاتم الباهلى عن الأصمعى. ومعروف أن علم الأصمعى حمله مع أحمد بن حاتم جماعة منهم الأثرم أبو الحسن على بن المغيرة المتوفى سنة ٢٣١ والزيادى أبو إسحق إبراهيم بن سفيان المتوفى سنة ٢٤٩ والرياشى العباس بن الفرج المتوفى سنة ٢٥٧.
وكل أولئك وأضرابهم من رواة اللغويين القدماء كانوا يعتمدون قبل كل شئ على الإملاء، وكان تلاميذهم يحرصون عليه مخافة دخول غلط عليهم فى قراءة النصوص.
ومع ذلك كان منهم من يأخذ أحيانا عن الكتب، وكانوا يميزونه من سواه، خشية أن يكون قد صحّف فيما قرأ، واتسع التصحيف حتى ألف فيه العلماء كتبا مفردة.
وجعلهم الاهتمام بالسند يتأثرون برجال الحديث فى تجريح الرواة وتعديلهم، وكان علماء البصرة فى ذلك أشد تحرجا من علماء الكوفة وبغداد، وبالمثل تأثروا بهم فى تلقيب بعض الروايات بألقاب الجودة والضعف، ويؤثر عن ابن الأنبارى