الكوفى المتوفى سنة ٣٢٨ قوله: «الكلمات قسمان: كلمات متواترة وآحاد، فأما المتواترة فلغة القرآن وما تواتر من السنّة وكلام العرب، وهذا قطعى يفيد العلم، وأما الآحاد فما تفرّد بنقله بعض أهل اللغة ولم يوجد فيه شرط التواتر (١)». وكانوا يجمعون فيما يملونه أشتاتا من بعض أقوال العرب وأشعارهم وأقاصيصهم، ومما يصور ذلك مجالس ثعلب الكوفى المتوفى سنة ٢٩١. وأحيانا كانوا يؤلفون الكتاب فى أقوال وأشعار وأمثال حيثما اتفق مثل مجالس ثعلب، وأحيانا يجمعون كلمات فى موضوع واحد مثل كتاب المذكر والمؤنث ليعقوب بن السكيت الكوفى المتوفى سنة ٢٤٣ وكتاب النخل وكتاب الطير لأبى حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستانى البصرى المتوفى سنة ٢٥٠. وكان طبيعيّا أن تظهر حينئذ معاجم تحصى كلمات اللغة إحصاء دقيقا دالة على معانيها، ولم يلبث أن تداول الورّاقون معجم العين المنسوب إلى الخليل حتى إذا كان ابن دريد محمد بن الحسن البصرى المتوفى سنة ٣٢١ وجدناه يؤلف معجمه اللغوى الكبير: الجمهرة فى اللغة، وعلى الرغم من نقد القدماء له وقول نفطويه الكوفى معاصره المتوفى سنة ٣٢٨ إنه ليس أكثر من تحريف لمعجم العين للخليل يعدّ عملا باهرا. ودفعتهم فكرة تعليم اللغة للناشئة إلى أن يجمعوا كثيرا من الألفاظ والعبارات الغريبة فى طائفة من الموضوعات والمعانى ويؤلفوا فيها كتابا مثل كتاب الألفاظ لابن السكيت، وهو يحتوى كثيرا من أبيات الرجز المسرفة فى الغرابة ومن الألفاظ المهجورة، وهو جانب يميز اللغويين الكوفيين إذ كانوا يكثرون من رواية الغريب المهجور فى مصنفاتهم. وعنوا فى هذا العصر أشد العناية بجمع دواوين الشعر القديم جمعا علميّا، عماده التوثق والتحقيق، وهو عمل يعدّ متمما لما نهض به فى العصر الماضى المفضل الضبى والأصمعى وابن الأعرابى، وكانوا يضيفون إلى الدواوين غالبا شروحا للتوضيح، ويشتهر فى هذا المجال محمد بن حبيب البصرى وثعلب الكوفى والسكرى أبو سعيد الحسن بن الحسين البصرى تلميذ الرياشى وأصغر تلاميذ الأصمعى المتوفى سنة ٢٧٥ وكان شديد الطموح، فلم يكتف بجمع دواوين طائفة كبيرة من الشعراء، بل مضى يجمع دواوين القبائل، ويقال إنه جمع منها نيفا وثمانين، لم يبق الزمن منها إلا قطعا من ديوان هذيل