نشرت فى خمس مجموعات أربع منها فى أوربا وواحدة طبعت فى دار الكتب المصرية، ودائما نراه يذكر ما اختلف فيه أئمة البصريين والكوفيين فى رواية أبيات وألفاظها المختلفة. وصنفوا كثيرا من المختارات الشعرية، وكان مما صنفوه فى العصر الماضى المعلقات والمفضليات والأصمعيات، أما فى هذا العصر فمن أهم ما صنفوه من كتب الاختيارات جمهرة أشعار العرب لأبى زيد محمد بن أبى الخطاب القرشى، ولا تعلم سنة وفاته بالضبط، ولكن الوسائط فى مقدمته لكتابه بينه وبين علماء القرن الثانى جيلان أو ثلاثة مما يؤكد أنه عاش فى أواخر القرن الثالث الهجرى، ومختاراته تضم تسعا وأربعين قصيدة موزعة على سبعة أقسام، فى كل قسم سبع قصائد، والقسم الأول خاص بالمعلقات، وتغلب القصائد الجاهلية على المجموعة، وتمتاز بالقصائد الطويلة. ويعنى ابن الأنبارى بشرح مفصل على المفضليات يسوق فيه الفروق بين الروايتين البصرية والكوفية لأبيات هذه المجموعة الكبيرة. وعنى حينئذ شاعران بعمل ديوانين للحماسة هما أبو تمام والبحترى، وكأن اللغويين جعلوا فكرة الاختيار من الشعر القديم والحديث تعمّ فى جميع البيئات. وظهرت عندهم بقوة فكرة عمل مختارات من الشعر والنثر تقرّ بهما من أفهام الشباب والناشئين عامة، فصنع المبرد كتابه «الكامل» وبه مختارات كثيرة ذلّلها ويسرّها لشداة الأدب واللغة. وكأنما أحسّ الجاحظ وابن قتيبة، كما مر بنا، أن غاية اللغويين من هذا التيسير والتذليل لا تزال أبعد من أن يحققوها، لأن فكرة التعليم اللغوى من أجل اللغة قبل كل شئ لا تزال غالبة عليهم، فألف الجاحظ البيان والتبيين ليدخل على هذه الفكرة الأفكار الجمالية والبلاغية، وألف ابن قتيبة كتابه عيون الأخبار ليدخل بدوره عليها الأفكار الفارسية واليونانية، مازجا بينها مزجا يثير رغبة الناشئة والشباب فى قراءته، وألف بجانبه مصنفه «أدب الكاتب» ليضرم فى قلوبهم الحمية للفصحى وتنقية اللغة مما لابسها أو يكاد يلابسها من الشوائب الأعجمية والعامية. وألّفت فى العصر كتب كثيرة (١) تصوّر ما يلحن فيه العامة، منها ما هو لأحمد بن حاتم الذى مر ذكره أو لأبى حاتم السجستانى أو للمازنى أبى عثمان بكر بن محمد البصرى المتوفى سنة ٢٤٩ أو للمفضل بن سلمة