للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الخامس

طوائف من الشعراء

[١ - شعراء الغزل الصريح]

رأينا فى حديثنا عن مراكز الشعر لهذا العصر كيف تحضرت المدينة ومكة وغرقتا إلى آذانهما فى الرّفه والنعيم، بتأثير ما صبّ فيهما من أموال الفتوح والرقيق الأجنبى، وكيف أخذ هذا الرقيق يسدّ حاجة الشباب المتعطّل من اللهو بما كان يقدّم له من غناء وموسيقى، وقد استطاع من خلال ملاءمته بين الغناء العربى القديم وما ثقفه من غناء الفرس والروم أن ينفذ إلى نظرية جديدة وضع على أساسها الألحان والأنغام التى وقّع عليها الشعر، وظلت هذه النظرية مسيطرة على غنائنا العربى قرونا طويلة.

ويخيّل إلى الإنسان كأنما فرغت المدينتان الكبيرتان فى الحجاز للغناء، فالناس يختلفون فيهما إلى المغنين والمغنيات، حتى النّسّاك والفقهاء، فليس هناك من لا ينعم بالغناء، حتى النساءكن يتخذن الأسباب لسماعه فى مجالسهن. وفى كتاب الأغانى أخبار كثيرة تصور كلف سكان المدينتين به وأنه أصبح شغلهم الشاغل (١). وقد شاعت فى هذا الجو المعطرة أنفاسه بالموسيقى موجة واسعة من المرح، ورقيت الأذواق ودقت الأحاسيس وعاش الشعراء للحب والغزل فهو الموضوع الذى كان يطلبه المغنون والمغنيات ويستهوى الناس من رجال ونساء.

وبذلك كادت تختفى من المدينتين الموضوعات الأخرى للشعر، فقلما نجد فيهما مديحا أو هجاء، إنما نجد الغزل يشيع على كل لسان. وأخذ يتطور بتأثير الغناء الذى عاصره تطورا واسعا، إذ أصبحت كثرته مقطوعات قصيرة، وعدل الشعراء إلى الأوزان الخفيفة من مثل الرّمل والسريع والخفيف والمتقارب والهزج


(١) انظر فى ذلك كتابنا: الشعر والغناء فى المدينة ومكة لعصر بنى أمية (طبع دار المعارف) ص ٩٤.٢٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>