أخذت ليبيا والبلدان المغربية تدخل فى الإسلام منذ فتحها العرب، ومنذ اعتنقته ليبيا لم تقم فيها أى حركة ثورية ضد العرب، كما حدث أيام كسيلة والكاهنة فى إفريقية التونسية والجزائر، وحتى هما لم يعودا إلى شق عصا الطاعة منذ عهد حسان بن النعمان (٧١ - ٨٥ هـ). ومع ذلك فإن الإسلام عمّهما بحيث لا نصل إلى أواخر القرن الأول الهجرى حتى يكون قد تغلغل إلى جميع البقاع فى المغرب، بين الحضر شمالا والبدو جنوبا وفى السهول وعلى سفوح الجبال وفى الهضاب وفى الصحارى، وهو ما ملأ نفوس المؤرخين الغربيين حيرة، فإن الفينيقيين أقاموا بين البربر قرونا، ولم يستطيعوا نشر دينهم ولغتهم فيهم بهذه الصورة الجماعية، وبالمثل الرومان، وظلت المسيحية التى حاولوا نشرها بين البربر غريبة ولا تعرف إلا فى بعض البلدان الشمالية وبتأثير جاليات رومانية فيها. وأخذت تنسحب وتتقوض أمام المد الإسلامى منذ القرن الأول الهجرى. ولا ريب فى أن مرجع ذلك إلى أن دين الإسلام دين الفطرة الإنسانية، ويخلو من نظرية التثليث المعقدة عند المسيحيين، وأيضا فإنه يحرر البربر وغيرهم من فكرة الاستعباد للرومان وغير الرومان ممن يستولون على الديار ويتملكون كل ما فيها من الخيرات وطيبات الرزق، ثم هو لا يظلم أهل البلاد المفتوحة أى ظلم مالى أو غير مالى، وهو يسوى بين أتباعه من العرب وبين مسلمى البلدان المفتوحة فى جميع الحقوق: فى الغنائم وفى الضرائب وفى مختلف الشئون.
ظلت ليبيا طوال القرن الأول الهجرى مركزا مهما للجيوش العربية، وكان كل جندى فيها
(١) انظر فى تعرب ليبيا الجزء السادس من تاريخ ابن خلدون وكتاب وصف إفريقيا للوزان ورحلة العبدرى وكتاب ورقات عن الحضارة العربية للأستاذ حسن حسنى عبد الوهاب وتاريخ ليبيا للدكتور إحسان عباس وكتاب النشاط الثقافى فى ليبيا للدكتور أحمد مختار عمر.