للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدّمة

تحدّثت فى هذا الجزء عن تاريخ الأدب العربي بالشام فى عصر الدول والإمارات الممتد من سنة ٣٣٤ للهجرة إلى العصر الحديث، ورأيت أن أرجع بالحديث عن الشام إلى تاريخها منذ الفتح العربى، وبالمثل عن مجتمعها والحركة العلمية والأدبية فيها، وكنت ترجمت فى الجزء الخاص بالعصر الإسلامى لشعرائها المبكرين: عدىّ بن الرّقاع العاملىّ والطّرمّاح الطائى والوليد بن يزيد، وترجمت فى الجزء الخاص بالعصر العباسى الأول لشعرائها الأفذاذ:

منصور النّمرىّ والعتّابى وأبى تمام، كما ترجمت فى الجزء الخاص بالعصر العباسى الثانى لشاعريها البارعين: البحترى والصّنوبرىّ. ومنعا للتكرار لم أر العودة إلى تراجمهم جميعا فى هذا الجزء وقصره فى تراجم الشعراء على حملة لواء الشعر بالشام بعد العصر العباسى الثانى.

وقد بدأت الجزء ببيان مجمل لتاريخ الشام القديم، وتحدثت عن الفتح العربى لها وقيام الخلافة الأموية بدمشق، وكان سلطانها يظلّ العالم الإسلامى من أواسط آسيا إلى المحيط الأطلسى، ثم ما كان من تحوّل الشام زمن الخلافة العباسية إلى ولاية تابعة لبغداد، وتبعيّتها للدولتين: الطولونية والإخشيدية حين تأسّستا بمصر، واستيلاء الدولة الفاطمية بالقاهرة على الشطر الأكبر منها، وتأسيس إمارة الحمدانيين فى شماليها بحلب ثم إمارة بنى مرداس، وما حدث من نزول حملة الصليب بها فى أواخر القرن الخامس الهجرى، وجهاد عماد الدين زنكى فى القرن السادس وابنه نور الدين أمير حلب-لهم-جهادا عظيما، وضربات صلاح الدين الأيوبى لجموعهم ضربات قاصمة وسحقه لهم فى حطّين وغير حطين. وتدين الشام لخلفائه الأيوبيين، ثم تدين للمماليك، ويمزقون المغول في عين جالوت شرّ ممزّق، ويطردونهم من الشام كما يطردون منها بقايا حملة الصليب نهائيا. ويدور الزمن دورات، فتنزلها -مع مصر-جحافل العثمانيين وتظل ولاية عثمانية إلى أن تشرق عليها أضواء العصر الحديث.

وكان المجتمع الشامى-حين الفتح العربى-يضمّ أخلاطا من أمم شتى آسيوية وأوربية، وأخذ الإسلام يمزج بين هذه الأخلاط مكوّنا منها أمة شامية عربية واحدة. وصبّت

<<  <  ج: ص:  >  >>