لم يكن لإيبريا دور حضارى فى العالم القديم، إذ ظل سكانها قرونا متطاولة يستقبلون الحضارات ولا ينفذون من خلالها إلى حضارة لهم متميزة، وكان أول ما استقبلوا من الحضارات الحضارة الفينيقية إذ غزاها الفينيقيون فى القرن العاشر قبل الميلاد وأسسوا بها مالقة على البحر المتوسط وقادس على المحيط الأطلسى، وبعد نحو خمسة قرون استقبلوا الحضارة اليونانية إذ غزاها اليونانيون وأسسوا فيها مدينة برشلونة على البحر المتوسط وسموها إيبيريا، وحدثت حروب بينهم وبين الفينيقيين واستعان الفينيقيون ضدهم بأبناء عمومتهم من القرطاجنيين، فأعانوهم. واستقبلت إيبيريا حضارتهم وأسسوا بها مدينة قرطاجنة على البحر المتوسط نفس اسم مدينتهم فى إفريقيا، ونشبت الحرب بينهم بقيادة هانيبال وبين الرومان فى أوائل القرن الثانى قبل الميلاد وانتصر الرومان واستولوا سريعا على إيبيريا، ونشروا فيها-بواسطة جنودهم ومن سمع بخيراتها فى إيطاليا ورحل إليها-لغتهم اللاتينية، وحين اعتنقت روما المسيحية نشرتها فيها، وهى التى سمتها بإسم إسبانيا.
وأخذت إسبانيا تشارك روما بعض المشاركة فى حياتها السياسية بفضل من نشأوا فيها أو ولدوا بها لأسر إيطالية وخاصة من القياصرة مثل تراجان وابن أخيه هدريان. وكانت الخطابة مزدهرة فى روما بسبب ما كان لديها من مجلس شيوخ أعدّ بقوة لهذا الازدهار، كما أعدّ لكثرة الأساتذة الذين كانوا يعلّمون الشباب فنون البلاغة الخطابية، وشاركت إسبانيا فى هذا النشاط الخطابى باثنين من أبنائها القرطبيين هما سنيكا الأب الذى نشأ فى قرطبة وانتقل إلى روما وعلم فيها فن الخطابة، وسنيكا الابن الذى ولد بقرطبة فى العام الرابع قبل الميلاد، وجئ به إلى روما وتلقى تعليمه على أبيه ومن بها من الفلاسفة