للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرواقيين، وأصبح فيلسوفا رواقيا ومعلما كبيرا للخطابة، وعلّمها نيرون، وله مسرحيات اتخذها كورنىّ وراسين مثلهما المسرحى الأعلى، وحكم عليه نيرون بالموت لاتهامه باشتراكه فى مؤامرة ضده. ورحل إلى روما شاب إسبانى هو كونتليان ليتعلم فن الخطابة، وبرع فيها هناك وأنشأ مدرسة لتعليمها، وألف فيها كتابا كان-ولا يزال-المرجع الأساسى للأوربيين فى التعرف على الخطابة الرومانية. واشتهر بروما حفيد لسنيكا، هو «لو كان» الشاعر، وكان قد ولد بقرطبة سنة ٣٩ للميلاد ونشأ بروما وأصبح شاعرا متألقا بما نظم من ملحمة قصصية من طراز ملحمة الإنيادة لفرجيل، وقد وصف فيها الحرب الأهلية بين قيصر وبومبى، واتهمه نيرون باشتراكه مع عمه فى مؤامرة ضده وحكم عليه بالموت وعمره لا يتجاوز السادسة والعشرين (١).

وواضح أن من شاركوا من إسبانيا قديما فى الأدب اللاتينى أفنوا شخصياتهم فيه، وهم لم ينتجوه فى إسبانيا، بل أنتجوه فى روما، وهو لذلك أدب لاتينى رومانى خالص.

وإسبانيا-بذلك-لا تزال فى العهد الرومانى كما كانت فى العهود الفينيقية واليونانية والقرطاجنية لا تستطيع أن تضيف إلى الحضارة الإنسانية أعمالا إسبانية متميزة القسمات، بل ظلت روما ترعاها وتتعهدها فى الحضارة كما تعهدها ورعاها من قبل القرطاجنيون واليونان والفينيقيون، حتى إذا دخلت فى القرن الخامس للميلاد أغارت عليها القبائل الجرمانية المتبربرة التى قضت على الدولة الرومانية الغربية ونزلها منهم الفندال ثم القوط الذين حكموها إلى أن تسلّمها العرب منهم. ولم يكن للقوط حضارة، وقد قضوا على ما كان بإسبانيا من حضارة رومانية، ولا يحفظ التاريخ كتابا من أيامهم سوى مجموعة القس إيزيدور الإشبيلى المتوفى سنة ٦٣٦ للميلاد، وهو يعرض فيها تصوره الساذج للتاريخ والعلوم الطبيعية مع تفسيرات مجازية للكتاب المقدس، ويقول ديورانت فى قصة الحضارة إنها تكتظ بأخطاء فى الحقائق، وتدل على ما كان فاشيا فى عهد القوط بإسبانيا من الجهالة (٢)، وليس لهذه المجموعة أى ذكر فى كتابات الأندلسيين.

ومعنى ذلك أن العرب حين فتحوا إسبانيا كان ظلام الجهل يطبق عليها ولم يكن بها علم ولا علماء، وبحق ما يقوله صاعد فى كتابه طبقات الأمم من أن هذا القطر لم يعرف فى


(١) انظر فى سنيكا وأسرته وكونتليان ولو كان قصة الحضارة لول ديورانت: (طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر) ١٠/ ١٦٣ وما بعدها وكذلك ١٧٤ وما بعدها و ١٩٩ وما بعدها.
(٢) قصة الحضارة لول ديورانت ١٢/ ١٩٤ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>