للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العصر القديم بالعلم ولا كان به شخص اشتهر بحبه للعلم، وظل مغلقا فى وجه الحكمة إلى أن فتحه العرب (١). وكان فيه-كما مر فى الفصل الماضى-يهود ولكن لم يكن لهم أى كتاب علمى، وأيضا لم يكن لهم دور فى الحركة العلمية لأيام العرب، إنما دورهم يقوم فقط على تمثل العلم العربى ثم على المساهمة فى ترجمته إلى اللاتينية فيما بعد حين جدّ الغرب فى طلب العلم الأندلسى والوقوف عليه. ومثل اليهود-فى ذلك-الصقالبة الذين مرّ ذكرهم فى غير هذا الموضع والذين جلبهم الحكام الأمويون إلى الأندلس منذ عهد الحكم الرّبضى، وكانوا يتعلمون العربية ويتثقفون ثقافة عربية إسلامية، ولم يكن لهم أى دور فى الحركة العلمية بالأندلس إلا أن يصبح أحدهم حاكما لإحدى المدن فى عصر أمراء الطوائف، ويجزل العطاء للعلماء. أما أهل إسبانيا فإنهم-كما قلنا-لم يحملوا إلى الحركة العلمية فى الأندلس تراثا لاتينيا، وكل ما لهم أن من أسلموا منهم وسلالاتهم من المولّدين أسهموا فى تلك الحركة العلمية العربية، وعروبتها لا ترجع إلى اللسان الذى استخدمته فحسب، بل ترجع-أيضا-إلى أنها أسست-ونهضت كما سنرى-على أصول عربية مشرقية.

ومعروف أن الإسلام دفع أمته فى كل قطر وبلد إلى العلم والتعلم، ومرّ بنا أن موسى ابن نصير فاتح الأندلس ومكمل فتح المغرب كان يرسل دائما مع الجيوش فقهاء يعلّمون أهل الديار المفتوحة الإسلام ويحفّظونهم بعض القرآن ويبصّرونهم بالدين الحنيف وتعاليمه. ولما كان تعليم الناشئة المسلمة القرآن شعارا من شعائر الدين أخذ به المسلمون فى جميع بلدانهم فإن الأندلس-بدورها-أخذت بهذا التعليم، وافتتحت له الكتاتيب منذ عصرها الأول عصر الولاة (٢)، واطرد ذلك طوال الحقب التالية، ويؤثر عن الحكم المستنصر (٣٥٠ - ٣٦٦ هـ‍) أنه أنشأ بقرطبة سبعة وعشرين كتّابا فى عهده، جعل ثلاثة منها بجوار المسجد الجامع والباقى فى أماكن مختلفة من أحياء قرطبة. (٣) وكانت قرطبة تكتظ بكتاتيب أخرى قبل كتاتيبه. وكان معلّم الكتاتيب يسمى مؤدّبا، وكان يأخذ أجرا على تعليمه الناشئة (٤)، ولم يكن تعليمه لها يقتصر على تحفيظها القرآن الكريم وبعض نصوص الحديث النبوى بل كان يتسع ليشمل تعليمها النحو وإحسان الكتابة والخط مع


(١) طبقات الأمم لصاعد (طبع مطبعة السعادة) ص ٩٧.
(٢) افتتاح الأندلس لابن القوطية (طبع مدريد) ص ٤٠.
(٣) البيان المغرب لابن عذارى (طبع بيروت) ٢/ ٢٤٠.
(٤) طبقات النحويين واللغويين للزبيدى (طبع القاهرة) ص ٢٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>