للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبقى الأنام بإبقاء الإمام فكم ... بصونه صان من مال ومن مهج

إذا رعى الله للإسلام راعيه ... لم نأس من فقد ذى قدر ولا همج

وهو يقول إن الله أنعم على الرعية بعد يأسها بنعمة الفرج وكشف الغم الذى اعتراها بمرض الخليفة، ويتجه إلى أزمات الدهر يسألها أن تنفرج وتنكشف وتنحسر عند الشدة أو الشدائد إلى غير رجعة، ويقول إن شكر الرعية لا يفى بهذه النعمة الكبرى نعمة شفاء الخليفة من مرضه وتهدئة ما كان قد حدث فيها من اختلاط واضطراب بسببه. ويفزع ابن معمر إلى المبالغة أو قل يتمادى فيها، إذ جعل بقاءه بقاء للرعية وصونا لأموالها ونفوسها، ويجعله راعيا للإسلام ويرفعه فوق أفراد الرعية درجات. ولعل فيما أسلفت من أشعار ما يصور شاعرية ابن معمر وأنه يعد بحق أشعر شعراء ليبيا حتى عصره لحسن صياغته وروعة تصاويره ودقة أفكاره.

[٤ - الشعراء فى العهد العثمانى]

مرّ بنا أن العثمانيين استولوا على طرابلس فى أواسط القرن العاشر الهجرى، وقد ضمّ محمد الساقزلى والى طرابلس برقة إلى ولايته بعد نحو قرن، وبذلك أصبح لليبيا حاكم عثمانى واحد يتخذ طرابلس عاصمة له، وكان حكامها يتخذون التركية لغة رسمية لدواوينهم، وأخذوا مع الزمن يقيمون مدارس فى ليبيا ولكنها كانت تصب عنايتها على تعليم التركية لتخريج موظفين للدواوين يساعدون فى تصريف شئون الولاية. غير أن الثقافة الإسلامية العربية ظلت ترعاها المساجد والزوايا. وكانت ليبيا قد أخذت تشغل منذ القرن الثامن الهجرى بالتصوف وزواياه وشيوخه، واتسع انشغالها بذلك منذ حكمها العثمانيون فى أواسط القرن العاشر الهجرى أو بعبارة أدق منذ حكموا طرابلس، إذ كثر الشعر حينئذ على لسان الصوفية، غير أن الكثرة الغامرة منه عامية، وما ليس عاميا يكثر فيه اللحن، وممن يضاف إليه أشعار كثيرة من دراويشهم عبد السلام الأسمر المتوفى سنة ٩٨١ وكانت له زاوية بمدينة زليطن على نحو ما ذكرنا فى حديثنا عن الزهد والتصوف، وتكثر العامية الليبية فى أشعاره ويكثر فيها الخروج على العروض، وربما لم يكن هو نفسه السبب فى ذلك، فقد تحول كثير منها شعرا شعبيا، فربما عبث به الرواة والمنشدون من العوام، ومن أهم أشعاره قصيدة نظمها فى التسعين من عمره، ونقتطف منها بعض أبيات تستقيم فصاحة وعروضا (١):


(١) انظر القصيدة فى كتاب الشيخ سيدى عبد السلام الأسمر لإسحق المليجى ص ٣٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>