ونمّقت منشورا إلى كل عاشق ... بأنهم حزبى وأهل إرادتى
وكان الشطر الأول فى هذه الأبيات مضطربا وأصلحته ليستقيم الوزن. وكان للشيخ أتباع كثيرون جاءوه من كل فج فى ليبيا وتونس والبلاد المغربية، وأقاموا له-حين توفى-مأتما كبيرا أنشد فيه بعض مريديه مراثى مضطربة الوزن والصياغة، وإنما ذكرت بعض أشعاره لأدلّ على تدهور التصوف لغة ووجدا ملتاعا، فالأبيات لا تحمل أى وجد، إنما هو ظاهر مما كان يردّده الصوفية قديما من كلمات الشراب والخمرة وانكشاف الغطاء والعشق وما إلى ذلك. وقد أحالوا الزوايا فى ليبيا وبلاد المغرب من دور عبادة ونسك وتجمّع فيها لجهاد أعداء الله أو قل أحالوا كثيرا منها إلى دور شعوذة واعتقاد فى شيوخها بأنهم أولياء الله يطلعون على الغيب وتجرى على أيديهم أعظم الخوارق، واستخدموا فيها حلقات الذكر مع التثنى والنشوة بالاستماع إلى أناشيد صوفية ممسوخة ومع استخدام الدفوف والبنادر ونفس زاوية الشيخ عبد السلام الأسمر بزليطن استحالت إلى هذه الصورة، فقد كان يستخدم فى زاويته الدف والبندير والأناشيد والتثنى فى الذكر، مما أثار عليه حملات شعواء من فقهاء عصره، وهو لا يبالى، بل يوهم أتباعه أنه ناظر وجادل نفرا منهم وتبعوه، يقول فى نفس القصيدة:
وكم من فقيه كان ينكر حالنا ... فصار بفضل الله من أهل حضرتى
فأعطى له التصريف حيّا وميّتا ... وصرت إمام الوقت شيخ الطريقة
وهو يزعم-زعما باطلا-أن من تبعه من الفقهاء أصبحوا من الأولياء، وأصبح لهم التصرف فى القضاء أحياء وأمواتا مثله، وهى شعوذة ملأ بها أمثاله نفوس العامة فى ليبيا والعالم العربى: أن زيارة قبور الأولياء والمتصوفة تنفعهم وينبغى أن يقدموا لها النذور، وهى لا تنفع ولا شفع، إنما ينفع الإنسان-ويشفع له-عمله. ولكن إذا كان التصوف ساء سلوكا فى العصر العثمانى بليبيا وهبط شعرا فإن المديح النبوىّ ظل له غير قليل من الرونق عند شاعر ليبى لقّب بالبهلول، وهو-لغة-الجامع لخصال الخير وسنترجم له، ونتبعه بترجمة أحمد بن عبد الدائم.