لم تكن ممرنة على العدو الشديد والغارة السريعة، وأيضا فإن السيوف والرماح كانت قد علاها الصدأ ولم تعد صالحة للنزال، فسيان هى فى يد الفارس البطل منا أو فى يد الحداد كى يشحذها ويزيل عنها الصدأ. وتلقانا عند ابن النقيب شكوى مرددة من البؤس والفقر، فى مثل قوله:
يا قفل باب الرّزق ياذا الذى ... مازال عند الفتح قفلا عسر
أفرطت فى العسر ولا بدّ أن ... تنفشّ أو تندقّ أو تنكسر
وهو يشعر كأن باب الرزق أغلق من دونه، وهو يعالج فتحه، ولا ينفتح، ويشكو ما يلقاه من عسر وضيق وضنك، ويبأس من فتح هذا القفل بأى مفتاح من مفاتيح طلب الرزق فيأمل فى أن ينفشّ وتفتح أغلاقه أو يندق أو ينكسر. وتجتمع عليه الشيخوخة والعوز والإملاق، فينشد:
وجرّدت مع فقرى وشيخوختى التى ... تراها فنومى عن جفونى مشرّد
فلا يدّعى غيرى ثيابى فإننى ... أنا ذلك الشيخ الفقير المجرّد
وحتى ثيابه نزعها البؤس عنه، فهو شيخ فقير عريان مسهّد لا ينام. ولعل فى ذلك كله مبالغة، وهى على كل حال تدل على مدى إحساسه بلوعة البؤس واستطالته عليه فى شيخوخته.
ويبدو أن محنته بالحياة لم تقف عند ضيق ذات اليد، فقد اتسعت لتشمل الأصدقاء والأصفياء، حتى ليقول:
لا تثق من آدمىّ ... فى وداد بصفاء
كيف ترجو منه صفوا ... وهو من طين وماء
فطبيعى-فى رأيه-أن لا يصفى إنسان لصديقه إخاء. لأنه لا يعرف الصفاء، بل هو دائما كدر وكذلك كل ما يتصل به إذ هو مركب من طين وماء.
عبد الله (١) الإدكاوى
ولد بإدكو بالقرب من رشيد سنة ١١٠٤ وألحقه أبوه بكتّاب بها حفظ فيه القرآن الكريم، حتى إذا أئمه ذهب فى طلب العلم إلى القاهرة، فحضر دروس العلماء بها فى زمنه، واشتهر بأدبه
(١) انظر فى ترجمة الإدكاوى وأشعاره تاريخ الجبرتى ١/ ٣٥٢ وراجع ١/ ٢١٠، ٢١٦، ٢٦٣، ٣٤١.