للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على (١) الحصرى

هو على بن عبد الغنى الفهرى الحصرى ابن أخت الحصرى صاحب زهر الآداب كان كفيفا، وخلّف فيه عدوان الزحفة الهلالية على القيروان مرارة شديدة، فولى وجهه نحو الأندلس، وتهاداه أمراء الطوائف وخاصة المقتدر بن هود أمير سرقسطة، وفيه يقول ابن بسام فى كتابه الذخيرة: «كان بحر براعة ورأس صناعة، وزعيم جماعة، طرأ على جزيرة الأندلس منتصف المائة الخامسة من الهجرة بعد خراب وطنه بالقيروان، والأدب يومئذ بأفقنا نافق السوق، معمور الطريق، فتهادته ملوك طوائفها تهادى الرياض النسيم، وتنافسوا فيه تنافس الديار فى الأنس المقيم». ولما خلع يوسف بن تاشفين ملوك الطوائف استقر فى طنجة يقرئ بها القرآن إلى وفاته سنة ٤٨٨ وكان عالما فذا بالقراءات وطرقها، وله منظومة فى قراءة نافع، وكان شاعرا مبدعا، وله فى الشعر ديوان لم يصلنا، ومن رائع غزله قصيدته المرقصة:

يا ليل الصّبّ متى غده ... أقيام الساعة موعده

رقد السّمّار فأرّقه ... أسف للبين يردّده

فبكاه النّجم ورقّ له ... مما يرعاه ويرصده

نصبت عيناى له شركا ... فى النّوم فعزّ تصيّده

يا من سفكت عيناه دمى ... وعلى خدّيه تورّده

خدّاك قد اعترفا بدمى ... فعلام جفونك تجحده

بالله هب المشتاق كرى ... فلعلّ خيالك يسعده

والقصيدة طويلة، وبلغ من روعتها أنه عارضها من شعراء العرب كثيرون آخرهم شوقى محاولين أن يقتبسوا منها شيئا من حسنها الموسيقى ومن معانيها البديعة، وهو يسأل ليل المحبوب عن غده، وهل سيستمر حتى قيام الساعة. وقد نام السمار، أما هو فيسهده أسفه على الفراق وإنه ليبكى بدموع غزار، حتى ليبكى النجم له، وينام لماما آملا فى رؤيته حلما فلا يراه. ويقول إن عينيها سفكت دمه، وشاهده تورد خديها المعترفين به ففيم جحود جفونها، ويسألها أن تهبه نوما لعل طيفها يسعده. والقصيدة تكتظ برقة بالغة، وهى رقة تشهد له بشاعرية فذة، ومما أنشده له ابن بسام:


(١) انظر فى ترجمة على الحصرى معجم الأدباء ١٤/ ٣٩ وابن خلكان ٣/ ٣٣١ وجذوة الحميدى: ٢٩٦ وابن بشكوال فى الصلة والذخيرة القسم الرابع ص ٢٤٥ ومجمل تاريخ الأدب التونسى ص ١٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>