للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقلة إنسانها غرق ... حشوها التّسهيد والأرق

وصبابات مضاعفة ... ودموع ثرّة دفق

وحشا يسطو به لهب ... عن قليل سوف يحترق

وفتى أشفى على جرف ... من هلاك مابه رمق

ويح أهل الحبّ ويحهم ... ليت أهل الحبّ ما خلقوا

والشكوى بديعة، ومن شأنها أن تحنو صاحبته عليه لو سمعتها، ويقول ابن رشيق: «هذه هى الألفاظ العذبة الغزلة الرائقة التى تلصق بالقلب وتعلق بالنفس، وتجرى مجرى النفس، وهذه هى طريق الحذاق فى التغزل خاصة لأن المراد منه استدعاء المحبوب واستعطافه برقة الشكوى ولطف العتاب وإظهار الألم والإقرار بالغلبة.

ومرّ بنا فى حديثنا عن الغزل بالجزء الخاص من الأندلس أن أديبة متظرفة عفيفة تسمى حمدة من مدينة وادى آش كانت تهوى صديقة لها وأنها نظمت فيها مقطوعة غزلية بديعة تصف فيها فتنتها بحسنها وجمالها، وكانت لها أخت تسمى زينب شاعرة مبدعة. ومن الطريف أننا نجد فى أوائل الدولة الحفصية شاعرة من بيت التجانى تسمى زينب بنت إبراهيم التجانى تفتن بشعر إحدى صواحبها فتقول فى وصف حسنه وجماله (١):

إذا انسدلت منه عليها ذؤابة ... كغصن أراك عانقته أراقم (٢)

أثيث طويل فهو يستر جسمها ... إذا نزعت عنه الملابس أسحم (٣)

كأنّ الصباح ارتاع من خوف طالب ... بثأر فألوى بالدّجى يتكتّم

وهى تتصور ذوائب صاحبتها أو ضفائرها كأنها أراقم أو حيات تعانق غصن أراك أو بعبارة أخرى تعانق قامتها الهيفاء الرشيقة، وتقول إن شعرها أثيث أو كثيف ملتف، وإذا نزعت عنه ثيابها بدا سواده على جسدها الأبيض الناصع، حتى لكأنه صباح أخذه الفزع من مطالب بثأر، فاختبأ فى دجى هذا الشعر، متخفيا ومتسترا ما استطاع.

ونختار ثلاثة من الشعراء الغزلين من العصور المختلفة غلب عليهم الغزل واشتهروا فيه، وهم على الحصرى فى زمن الطوائف وأحمد الليانى فى زمن الحفصيين ومحمد ماضور فى زمن الحسينيين.


(١) ورقات عن الحضارة العربية بإفريقية ٣/ ١٥٦.
(٢) أراقم: حيات.
(٣) أسحم: أسود.

<<  <  ج: ص:  >  >>