للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقطعة طريفة، فهو يريد أن يضع صاحبته فى سواد عينه ويخيط عليها جفونه، حتى بحفظها ويصونها ويبلغ منها كل أمانيه، ويمضى فى القطعة قائلا إنها يخاف عليها من الخفىّ وراء ألحاط العيون، وإنها كل دنياه. ويشيد ابن رشيق بابن البقال عبد العزيز بن أبى سهل الخشنى النحوى اللغوى المتوفى سنة ٤٠٦ ويقول عنه: «كان شاعرا مطبوعا يلقى الكلام إلقاء ويسلك طريق أبى العتاهية فى سهولة الطبع ولطف التركيب وقرب مآخذ الكلام، وينشد من غزله قوله (١):

يا غصنا غضّا من الآس ... ودرّة وهى من الناس

صوّرك الله على صورة ... كانت بها أسباب وسواسى

ترديد ذكرى لك فى خاطرى ... أكثر من ترديد أنفاسى

نسيت ودّى وتناسيتنى ... وليس قلبى لك بالنّاسى

وليس لى منك سوى حسرة ... تجول بين الشوق والياس

فغصن صاحبته كغصن الآس يتثنى لينا ونعومة، ويعجب أن تكون درة متلألئة وهى من الناس، وقد صورت صورة جميلة كانت أسباب وسواسه واختلاط عقله، وإن ذكراها لتتردد فى خاطره أكثر من تردد أنفاسه، وقد نسيت وده وتناسته وليس قلبه لها بالناسى، فقد حفرت صورتها فيه حفرا، ولم يبق له منها سوى حسرة تتردد بين الطمع فى اللقاء واليأس. ويقول (٢) محمد بن على الأزدى:

ترنو بأجفان سكارى بلا ... سكر من الحسن مراض صحاح

احمرّ-لما استضحكت-خدّها ... فلاح ما بين الشقيق الأقاح

بمهجتى أفدى التى صيّرت ... جسمى للأسقام منها مباح

ومن إذا رمت سلوّا دعا ... قلبى ولبّى: حبّها لا براح

فهى ترنو بأحفان كأنها سكرى عليلة من الحسن وهى صحاح غاية الصحة، وضحكت واحمرّ خداها، وكأنما ومض ثغرها المشبه للأقاح فى نصاعة بياضه بين ورد الشقيق المتوهج حمرة على خدودها. وإنه ليفديها بمهجته رغم ما أصابت به جسمه من الأسقام، ويقول إذا أراد سلوا عنها نادى قلبه وعقله حبها لا تبرح أبدا. ويقول الأقلامى محمد بن سلطان شاكيا حبه وآلامه فيه (٣):


(١) الأنموذج ص ١٦٠ وإنباه الرواة ٢/ ٨٤.
(٢) الأنموذج ص ٤٠١.
(٣) الأنموذج ص ٣٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>