للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاتجاهات الصوفية ومسائل التصوف الكبرى من وحدة الوجود والاتحاد والحلول ونظرية المعرفة والمحبة الإلهية وغير ذلك. ونشعر أن نفسه أشربت منازع التصوف السنى، وينعكس ذلك عنده فى بعض القصائد وبعض المقطوعات، وهى جميعا إلى أن تكون خواطر صوفية أقرب منها إلى أن تكون تصوفا بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، ولا ينطبق ذلك على أشعاره فى الكتاب وحدها بل أيضا على ما يماثلها فى ديوانه: «الصيّب والجهام والماضى والكهام». وبالمثل ينطبق على ما نجد عند ابن خاتمة معاصره وغيره من قصائد وأبيات تحمل أصداء صوفية، لا تساع رنين التصوف منذ أواسط القرن السابع الهجرى فى كل بلد وكل دار. وحرىّ بنا أن نقف قليلا عند ابن العريف وابن عربى والششترى.

ابن (١) العريف

هو أبو العباس أحمد بن محمد بن موسى الصنهاجى الأندلسى، ولد بالمرية على البحر المتوسط سنة ٤٨١ وبها كان منشؤه ومرباه حفظ القرآن الكريم-مثل أترابه-فى صباه، وعكف فى شبابه على قراءات الذكر الحكيم والأخذ عن الشيوخ فى التفسير والحديث النبوى والفقه والدراسات اللغوية والأدبية. وأقرأ الطلاب فى المرية ثم فى سرقسطة، وولى الحسبة ببلنسية ويقول ابن بشكوال: «كانت له مشاركة فى أشياء من العلوم وعناية بالروايات وجمع القراءات واهتمام بطرقها وحملتها». وأكبّ على قراءة كتب التصوف، وإذا هو يصبح صوفيا كبيرا، ولا يكتفى بتصوفه، بل يؤلف فيه بعض كتب (٢)، لم يبق منها إلى اليوم سوى كتابه: «محاسن المجالس» وقد نشره آسين بلاسيوس سنة ١٩٣١ وفى نفس السنة نشر عنه دراسة فى مجلة جامعة مدريد، وأعيد نشرها فى أعماله المختارة، وعنى الدكتور الطاهر مكى بنقلها إلى العربية، وهو فيها يتحدث عن حياة ابن العريف وكتابه «محاسن المجالس» ويحلله تحليلا دقيقا ملاحظا أن طريقته الصوفية تقوم على الزهد فى كل ما عدا الله ومحبته، بما فى ذلك الزهد فى المنازل الصوفية العشرة، وهى المعرفة والإرادة والزهد والتوكل والصبر والحزن والخوف والرجاء والشوق والشكر، فلا معرفة سوى معرفة الله، ولا إرادة مع إرادته. ولا زهد فى شئ، لأن الصوفى لا يتعلق


(١) انظر فى ترجمة ابن العريف وشعره الصلة لابن بشكوال ص ٨٤ والبغية ص ١٥٤ والمطرب ص ٩٠ والتحفة لابن الأبار رقم ٨ ومعجم الصدفى ١٤ والمغرب ٢/ ٢١١ والنفح ٣/ ٢٢٩ و ٤/ ٣٣١ وراجع كتاب دراسات أندلسية فى الأدب والتاريخ والفلسفة للدكتور الطاهر مكى (طبع دار المعارف) وترجمته فيه لدراسة آسين بلاسيوس عن ابن العريف وكتابه محاسن المجالس.
(٢) ذكر المقرى من كتبه كتاب مطالع الأنوار ومنابع الأسرار.

<<  <  ج: ص:  >  >>