الكون والسموات والأرض، وهو صورة كل موجود. وهو ما جعل الفقهاء والعلماء فى كل مكان يأخذون على يده إذ يجعل حقيقة الوجود بين الله وعباده واحدة، فالله فقط وليس فى الكون سواه، وفى ذلك يقول فى كتابه الإحاطة:
من كان يبصر شأن الله فى الصّور ... فإنّه شاخص فى أنقص الصّور
بل شأنه كونه، بل كونه كنهه ... لأنّه جملة من بعضها وطرى
إيه فأبصرنى إيه فأبصره ... إيه فلم قلت لى: ذا النّفع فى الضّرر
والأبيات تحمل فكرته، فالله ترى صوره فى كل شئ: جميل وقبيح وضخم وصغير، وشأنه أو وجوده الكون، والكون كونه وحقيقته، وابن سبعين صورة منه، وكل ما فى الكون من نفع وضرر وخير وشر من صور الله المنبثة فى الوجود وكل موجود. وهو غلو مفرط يباعد بين صاحبه وبين الدين الحنيف مما جعل العلماء والفقهاء فى عصره وبعد عصره يردون عليه ردودا عنيفة مثبتين عليه الإلحاد والزندقة. وحاول كثيرون من أتباعه الدفاع عنه وأن لكلامه ظاهرا وباطنا وأنه ينبغى أن لا يحكم عليه بظاهر أقواله. وممن اشتهر بأنه من أتباعه أبو الحسن الششترى الصوفى المعروف، وسنرى فى ترجمتنا له أنه ينفصل عنه فى اعتقاده بوحدة الوجود. وكأنما بلغت هذه النظرية الذروة عند ابن سبعين، وأخذت سريعا فى الانكسار، فإننا نجد كثرة المتصوفة-وخاصة فى الأندلس والمغرب- تعتنق التصوف السنى.
ومن أهم المتصوفة الأندلسيين بعده ابن عباد (١) الرّندى أبو عبد الله محمد بن إبراهيم النفزى المولود برندة سنة ٧٣٣ وبها منشؤه ومرباه. ورحل منها مبكرا وتجوّل فى بلدان المغرب، وأقام فى سلا على المحيط سنوات طويلة ملازما للشيخ الزاهد الصوفى ابن عاشر أحمد بن عمر، وتحول عنه إلى فاس فاختير فيها إماما وخطيبا لجامع القرويين، ويقول صاحب نفح الطيب إنه كان صوفيا على طريقة الشاذلية، وهى من طرق التصوف السنى، وفى الجزء السادس من هذه السلسلة بمصر حديث مفصل عن هذه الطريقة وأستاذها أبى الحسن الشاذلى وتلميذه أبى العباس المرسى ومريده أو تلميذه ابن عطاء الله السكندرى. ومن أكبر الدلالة على أن ابن عباد الرندى كان شاذليا أن أهم مصنفاته شرحه كتاب الحكم لابن عطاء الله السكندرى، وهى أقوال وخواطر وعظية بليغة. وكان يعاصره لسان الدين بن الخطيب، وله كتاب روضة التعريف بالحب الشريف، وفيه يعرض