للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تزهى بجمالها زهو الجميلات المعجبات بحسنهن. ويقول إنهم يطئون بحوافرها بلادا بعيدة يذلّلونها تذليلا، ولا بلدا ولا ناحية أردناها إلا انتصرنا فيها وانقادت إلينا انقيادا. وجمع الحافظ التنسى فيه كتابا سماه: «راح الأرواح فيما قاله المولى أبو حمو من الشعر وما قيل فيه من الأمداح».

[(ب) شعراء الهجاء]

الهجاء قديم فى الشعر العربى، وكان فى الأصل لعنات يصبها الشاعر على القبيلة المعادية أو على سيدها راجيا أن تنزل بهم المقادير هزائم متوالية، وتحول من هذه اللعنات إلى ذم شديد على لسان الشاعر الجاهلى، فما يرجعون من حروبهم حتى يسلّ شعراؤهم على أعدائهم ألسنتهم ملحقين بهم مثالب شتى. ومعروف ما كان بين مكة والمدينة لعهد الرسول صلّى الله عليه وسلم من أهاج ينظمها شعراؤهما عقب كل معركة. واستحال الهجاء فى العصر الأموى على لسان الفرزدق وجرير إلى ما يشبه مناظرة حادة فى بيان فضائل ومساويء عشيرتيهما وقبيلة تميم التى كان يدافع عنها الفرزدق وقيس التى كان يدافع عنها جرير. وظل الشعراء لعصرهما يكثرون هم وشعراء العصر العباسى الأول من الهجاء، وتحول عند الأخيرين إلى بيان المساوئ الفردية والاجتماعية فى المهجو مع التهوين منه والإيلام إيلاما شديدا، وطار شرر كثير من هذا الهجاء إلى الأقاليم العربية. وكان قد بارح المغرب إلى بغداد الشاعر الجزائرى بكر بن حماد التاهرتى وهو أول شاعر جزائرى له أهاج مختلفة، وسنترجم له عما قليل، وكان يعاصره ابن خزاز التاهرتى فى القرن الثالث الهجرى، وكان قد نزل مدينة تنس شمالى تاهرت على البحر المتوسط، فقال يأسى على بعده عن مسقط رأسه هاجيا تنس ومقامه فيها (١):

نأى النوم عنّى واضمحلّت عرى الصّبر ... وأصبحت عن دار الأحبّة فى أسر

وأصبحت عن تاهرت فى دار غربة ... وأسلمنى مرّ القضاء من العذر

إلى تنس ذات النحوس فإنها ... يساق إليها كلّ منتقص العمر

بلاد بها البرغوث يحمل راجلا ... ويأوى إليها الذئب فى زمن الجرّ

ترى أهلها صرعى ومن أمّ ملدم ... يروحون فى سكر ويغدون فى سكر

فالنوم بعد عن عينه لا يلم بها وفرغ منه الصبر، حتى ليشعر كأنه فى أسر بعيد عن دار الأحبة: تاهرت، إذ أسلمه مر القضاء إلى دار غربة إلى تنس ذات النحوس التى لا يدفع إليها إلا منتقص العمر ليشقى بما فيها من براغيث، وإن الذئاب لتملأ عرصاتها صيفا، أما أم ملدم أى الحمى، فكل أهلها من صرعاها، وإنها لتخدر عقولهم وكأنهم فى سكر دائم. ولمحمد بن الحسينى الطبنى فى أحد خصومه (٢):


(١) الأزهار الرياضية للبارونى ص ٤٧.
(٢) الجذوة للحميدى ص ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>