للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووغد إن أردت له عقابا ... عفى عن ذنبه حسبى ودينى

يؤنّبنى بغيبة مستطيل ... ويلقانى بصفحة مستكين

وقالوا قد هجاك فقلت كلب ... عوى جهلا إلى ليث العرين

وهو يقول عن خصمه إنه رذل دنئ إن فكرت فى عقابه عفا عن ذنبه شرفى ودينى، يأكل لحمه غائبا ويلقاه خاضعا ذليلا، وما مثله إلا مثل كلب يعوى إلى أسد فى عرينه ومأواه. وكانت أسرة هذا الشاعر قد هاجرت إلى قرطبة فى أوائل القرن الرابع، ومنها عبد الملك الطبنى المحدث جليس المنصور بن أبى عامر، ويروى أن المنصور عدا على شخص يسمى الحذلمىّ فى مجلسه وضربه ضربا موجعا، فقال عبد الملك متشفيا فيه وهاجيا (١):

شكرت للعامرىّ ما صنعا ... ولم أقل للحذيلمىّ لعا

ليث عرين عدا لعزّته ... مفترسا فى وجاره ضبعا

وددت لو كنت شاهدا لهما ... حتى ترى العين ذلّ من خضعا

إن طال منه سجوده فلقد ... طال لغير السجود ما ركعا

وهو يشكر العامرى ولا يقول للحذيلمى: لعا أى أقال الله عثرتك، ويصور العامرى ليث عرين افترس ضبعا فى وجاره أو بيته ومأواه، ويقول ليته كان حاضرا ليرى ما ركب الحذلمى من الذل والهوان، ويرميه بأنه كثيرا ما ركع فى غير الصلاة، يريد أنه عاهر الخلوة، وهو هجاء مقذع. وكانت الجزائر وغير الجزائر من البلاد المغربية تعتنق مذهب الأشعرى غالبا، وبلغ من تغلغل عقيدته فى نفوسهم أن نرى ابن مرزوق الخطيب الجزائرى المتوفى سنة ٧٧١ هـ‍/١٣٧٠ م يغضب حين سمع قول الزمخشرى فى كشّافة معرضا بأهل السنة بل هاجيا هجاء قبيحا قائلا:

وجماعة سموا هواهم سنّة ... وأراهم حمرا لعمرى موكفه

قد شبّهوه بخلقه وتخوّفوا ... شنع الورى فتستّروا بالبلكفه

وهو يقول إن جماعة سمت هواها الذى تعتنقه سنة، وهم حمر، عليها وكفها أو براذعها، إذ شبهوا الله بخلقه، فقالوا إنه يرى متسترين بالبلكفة أو بقولهم إنه يرى بلا كيفية حتى ينفوا عنه التشبيه بالآدميين، وردّ على الزمخشرى كثيرون من أهل الجزائر وغيرهم، وردّ ابن مرزوق الخطيب معنفا له ولأصحابه من المعتزلة جميعا قائلا:


(١) الذخيرة لابن بسام تحقيق د. إحسان عباس ١/ ٥٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>