للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكثبانها مدادا أسود شديدا، وزلزلت أنحاء البلاد واهتزت جبالها وهضابها وزعزعت منازل الهدى وحصونه وهدّمت خيام العلا وقبابها. وهى مبالغات شديدة فى الرثاء تعبيرا عن مدى الحزن الذى أصاب الشاعر والناس بوفاة هذا الشيخ الصوفى. ونتوقف قليلا إزاء أحد شعراء الرثاء.

باب (١) بن أحمد بيب العلوى

كان أبوه عالما فاضلا ناسكا مشارا إليه-كما يقول الشنقيطى-فى بلده وجيله، ملحوظا بعين التعظيم فى معشره وقبيله. ويقول عن باب إنه العالم الأوحد الذى أغار ذكره وأنجد. ومرّ بنا أنه أكمل كتاب الديباج فى تراجم فقهاء المالكية من القرن الثامن الهجرى حتى القرن الثانى عشر. ولما كفّ عمه-وكان قاضيا-أنابه عنه فى قراءة الحديث للطلاب والناس حتى وفاته، واشتد الخلاف بينه وبين ابن خاله حرم الذى مرت ترجمته فى مسألة من مسائل الوقف، وانضم إلى كل منهما طائفة من العلماء والشعراء، وكان فقيها محدثا ناسكا. ويقول الشنقيطى عنه: قلما مات أحد ممن يشار إليه فى قبيلته إلا رثاه، توفى سنة ١٢٧٦ هـ‍/١٨٦٠ م. ومن قوله فى رثاء عبد الله بن حرمة بن الصبار العلوى:

كان عبد الإله برّا تقيّا ... نزه النفس طاهر الأثواب

صحب الصالحين وهو صغير ... لم ينل منه عنوان الشباب

كان برّا بأمّه وأبيه ... ورفيقا بجاره ذى الجناب (٢)

وهو فى لزبة الزمان ربيع ... ذو جفان كأنهنّ جوابى (٣)

كلّ يوم تراه يدرس علما ... وهو بالليل قائم المحراب

يقول باب إن عبد الله كان صالحا تقيا نزيها عن الصغائر طاهر الأثواب، صحب الصالحين ناشئا فى شبابه، وكان بارا بأمه وأبيه ورفيقا بجاره البعيد فضلا عن القريب. وفى أيام الشدة والجدب يصبح ربيعا للناس وتكتظ مائدته لهم بقصاع كالحياض مترعة بالطعام، وفى كل يوم يدرس للطلاب والناس علما وفى الليل يخلص لربه مصليا فى المحراب. ويقول فى رثاء محمد بن أحمد الحسنى:


(١) انظر فى ترجمة باب وشعره الوسيط ص ٣٤ والشعر والشعراء فى موريتانيا ص ٣٠٦ وما بعدها.
(٢) ذى الجناب: يريد البعيد.
(٣) لزبة: شدة. الجفان جمع جفنة: القصعة. الجوابى جمع جابية: الحوض.

<<  <  ج: ص:  >  >>