للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يقول إن الخلود لا يناله أحد، إذ كلّ وارد على حوض الموت مسلم روحه إلى ربه، ويقول إن الحياة أصبحت لا تطيب وقد مات الشيخ وغيّبته اللحود، وقد تولّى عنى صبرى إذ فارقنى إنسان عين الوجود، وهى مبالغة واضحة. ويذكر أنه طود علم كان يؤمه مريدون كثيرون، ومن حماه وتقاه يفر الشيطان المريد، وإذا سدّ باب علم عويص معقد كان مفتاح بابه المسدود فما يلبث أن يفتح على مصاريعه. وقد علم الأصول والفروع علما لا يلحقه فيه لاحق. وله مرثية أخرى فى محمد الدنبج التندغى. ويقول الشيخ سيديّا الكبير المتوفى سنة ١٢٨٤ هـ‍/١٨٦٨ م فى رثاء الشيخ الصوفى المختار الكنتى وزوجه الصالحة (١):

جادت سحائب رأفة الرحمن ... بهوامل التكريم والرّضوان (٢)

وبوصف محض الودّ والزّلفى على ... جدثين حلّ حشاهما الشيخان (٣)

لاحا وأحلاك الجهالة فحمة ... وملابس البدع الجداد مثان (٤)

والدّين منهدم القواعد مركس ... بأخامص الطغيان والعصيان (٥)

فغدا منار الدين بعد تهدم ... ثبت الأساس مشيّد الأركان

وهو يدعو للشيخ وزوجته بأن تهمى عليهما سحائب رأفة الرحمن بمنهر التكريم والرضوان وبمحض الود والزلفى على قبريهما، ويقول إنهما ظهرا ودياجى الجهالة فحمة، وملابس البدع المحدثة لا تحصى، والدين منهدم القواعد وعاليه مركس بباطن أقدام الطغيان والعصيان، فأصبح بفضلهما منار الدين راسخ الأساس رفيع الأركان. ويقول محمد بن حنبل الحسنى فى رثاء الشيخ سيديّا الكبير (٦) المذكور آنفا:

أرى الملّة البيضاء جلّ مصابها ... ففاضت مآقيها وطال انتحابها (٧)

وقاست بفقد الشيخ وجد مصابه ... بواحدها لما تولّى شبابها

وأظلم وجه الأرض حتى كأنما ... تردّت مدادا غوطها وحدابها (٨)

وزلزل أقطار البلاد فأصبحت ... شواهقها مهتزّة وهضابها

وزعزع آطام الهدى وحصونه ... وقوّض فسطاط العلا وقبابها (٩)

وهو يقول إن وفاة الشيخ سيديّا مصاب كبير لشريعة الدين الحنيف، وكأنما قاست حزن سيدة فقدت واحدها أو ولدها الواحد ويقول إن وجه الأرض أظلم وارتدت رياضها


(١) الشعر والشعراء فى موريتانيا ص ٣١٦.
(٢) هوامل: مسائل.
(٣) جدثين: قبرين.
(٤) مثان: تتكرر وتتردد.
(٥) مركس: مضروب. أخامص جمع أخمص: باطن القدم.
(٦) الشعر والشعراء فى موريتانيا ص ٣٢٣.
(٧) الملة البيضاء: الدين الحنيف وشريعته.
(٨) غوطها: رياضها. حدابها: كثبانها.
(٩) الفسطاط: الخيمة الكبيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>