للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحصاء فواضله، وطوبى لقبر أودعوه عظامه، ويتمنى أن لو كان صدره له قبرا، وهو بيت رائع. ويقول محمد العلوى المتوفى سنة ١٢٦٤ هـ‍/١٨٤٨ م-وكان شيخ طريقة وعالما فى الفقه والعربية والبلاغة-راثيا الشيخ محمدا الحافظ العلوى قائلا (١):

سهرت جفونك والمصاب مسهّد ... يرثى لليلتك السليم الأرمد (٢)

ورثت لك الخنساء، بعد متمّم ... ورثى لبيد يوم فارق أربدا

لمصيبة صدمت فؤادى صدمة ... كادت بنات الجوف منها تصعد

وجرى الدموع على الخدود كأنها ... نظم جرى من سلكه متبدّد

وتصدّعت كبدى لها وكأنما ... بجوانحى منها حريق موقد

وإذا بكيت شجى عليه فإنه ... تبكى وتندبه جموع حفّد (٣)

وبكى عليه ليله ونهاره ... والصّوم يبكى والتهجّد يرعد

وبكت بقاع كان يعبد ربّه ... فيها فيركع ما يشاء ويسجد

وهو يقول إنه لم يغمض له جفن حين سمع المصاب، وكأنما كل ندب وكل تفجع فى ميت كان فيه، حتى لكأنه لدغ مرات، وكأن تفجع الخنساء على أخيها صخر، وندب متمم لأخيه مالك بن نويرة، وبكاء لبيد لأخيه أربد، كل ذلك كان رثاء حارّا للمصيبة التى نزلت به وصدمته صدمة كادت أمعاؤه منها تصعد، وجرت دموعه على خدوده كأنها سلك، تبددت حبّاته، وتشققت كبده، وكأنما فى جوانحه حريق موقد. ويقول إن الجموع من حوله تبكيه، ويبكى عليه ليله ونهاره، وصومه نهارا وتهجده ليلا، ويستمر يذكر أن كل شئ يبكيه، تبكيه صلاته ووضوءه ومسجده والكتب والأقلام والدواة والمصحف وبقاع الحرمين الطاهرة ويعددها مكانا مكانا، ثم يقول-كما فى البيت الأخير-إنه عبد ربه فيها وركع وسجد له طويلا. والمرثبة بديعة. ولمحمد وبن محمدى العلوى يرثى الشيخ مولود قال منشدا (٤):

ما لراجى الخلود نيل الخلود ... إنّ ورد المنون حتم الورود

أتطيب الحياة والشيخ أمسى ... غيّبته مغيّبات اللّحود

إنّ مالى من اصطبار تولّى ... إذ تولّى إنسان عين الوجود

طود علم ينحوه كلّ مريد ... من حماه يفرّ كلّ مريد (٥)

وإذا سدّ باب علم عويص ... كان مفتاح بابه المسدود

علم الأصل والفروع إلى أن ... ليس فى العلم يبتغى من مزيد


(١) الشعر والشعراء فى موريتانيا ص ٣٠١.
(٢) السليم: الملدوغ. الأرمد: من أصاب عينه الرمد.
(٣) حفد: حاشدة.
(٤) الشعر والشعراء فى موريتانيا ص ٣١١.
(٥) مريد: شيطان.

<<  <  ج: ص:  >  >>