للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو يصفه بأنه المفتى المصيب والمصباح الذى يضئ ظلمات المشكلات العلمية، وكأنما يكشف له أسرارها ويكشفها للناس، وقد امتلك فتاوى القضاء وفقهه فى أحكامه حتى لكأنه مالك مفتى المدينة أو مطرف قاضى صنعاء. ويقول محمد اليدالى الذى مرت ترجمته مؤبنا المختار بن الفاضل (١):

لهفى على لوذعىّ ذى ندى وتقى ... وهيبة تملأ الأفكار والحدقا (٢)

وذى معارف ربّانيّة وهدى ... وهمة علت العيّوق والأفقا (٣)

علم الحقيقة والشريعة اجتمعا ... له فأضحى يربّى من به التحقا

وبحر جود وعلم زاخر وإذا ... ما معتفوه أتوه فاض واندفقا (٤)

شعاره البرّ والتقوى وديدنه ... رضا الإله، خديم الضيف إن طرقا (٥)

واليدالى يتحسر على موت ابن الفاضل ويقول إنه حاد الذكاء كريم صالح، تملأ هيبته العيون والأذهان، متصوف له معارف إلهية وهدى وعزيمة تعلو الأفق والنجوم، وقد اجتمع فيه علم الشريعة والحقيقة الصوفية، وبهما كان يربى تلاميذه، وهو بحر زاخر للعلم والجود. وإذا ما أتاه سائلوه فاض عليهم بحر جوده وعلمه وتدفق من كل جانب، شعاره الإحسان والتقوى ودأبه رضا الإله، وإن ألم به ضيف كان خادمه: فرط جود وكرم. ويقول حرم بن عبد الجليل فى رثاء مولود بن أجفغ اليعقوبى (٦):

أتنعون مولودا وما انقضّ كوكب ... ولا فارق النور الغزالة والبدرا (٧)

ولا زلزلت زلزالها الأرض يومه ... وما أبدت الأشراط آياتها الكبرى (٨)

وما شغل الناس البكا عن أمورهم ... كأنّ صروف الدّهر ما أحدثت أمرا (٩)

لقد غيّبت من غاب عند مغيبه ... فواضل شتّى لا نطيق لها حصرا

وطوبى لقبر أودعوه عظامه ... فيا ليت أنّى كان صدرى له قبرا

وحرم يندب صديقه مولودا ويتفجّع عليه ويبلغ من حزنه أنه يعجب كيف لم ينقضّ كوكب ولا فارق النور الشمس والقمر ولا زلزلت الأرض ولا أبدت الساعة أشراطها وعلاماتها الكبرى جزعا على موت مولود، كما يعجب أن الناس لم يشغلهم البكاء على الميت العظيم عن شئونهم، كأن صروف الدهر ونوائبه ما أحدثت شيئا، مع أنها غيبت من لا يستطيع أحد


(١) الشعر والشعراء فى موريتانيا ص ٢٩٤.
(٢) لوذعى: عالم ذكى. ندى: كرم.
(٣) العيوق: نجم.
(٤) معتفوه: سائلوه وطالبو جوده.
(٥) ديدنه: دأبه وعادته.
(٦) الشعر والشعراء فى موريتانيا ص ٢٩٦.
(٧) الغزالة: الشمس.
(٨) الأشراط: علامات الساعة.
(٩) صروف الدهر: خطوبه ونوائبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>