رأينا القبائل فى الجاهلية تعيش معيشة حربية، فهى كتائب تنزل للرعى، وفى الوقت نفسه تجهّز بالأسلحة كى تدفع خصومها عن مراعيها، أو تغير عليهم وتسبى نساءهم وتنهب أموالهم من الإبل وغير الإبل. وكانوا يحاربون راجلين وركبانا على الإبل والخيل، وكانوا يرون فى الثانية مزية على الأولى لسرعتها فى الطّراد والإغارة، فأحبوها وعنوا بها وبتربيتها وصيانتها واستنتاج كرائمها وترويضها للحروب والسباق. وقد دارت أوصافهم لها فى شعرهم الجاهلى، فلم يكادوا يتركون عضوا من أعضائها إلا وصفوه، ولا خصلة ولا عيبا إلا ذكروه، وفى معلقة امرئ القيس صورة من وصفهم لخيلهم، وممن اشتهر بوصفها أبو دواد الإيادى وطفيل الغنوى وسلامة بن جندل التميمى.
واشتهر كذلك جماعة من الفرسان الذين أظهروا بطولة نادرة فى حربهم عليها لخصومهم وأقرانهم، وهم كثيرون، فقد كان لكل قبيلة فارسها أو فرسانها الذين يتدربون على ركوب الخيل طويلا وكيف يقفزون عليها ويشهرون سيوفهم ويلوحون برماحهم وكيف يسددون ضرباتهم إلى أعدائهم. وتلقانا دائما أسماؤهم وخاصة فى حروبهم الطويلة مثل حرب البسوس وفارسها المهلهل التغلبى، وهو الذى أشعل نيرانها ثأرا لأخيه كليب، ويقال إنه أول من هلهل الشعر وأرقّه (١). وشعره يدور فى رثاء أخيه وتوعّد قبيلة بكر بما سينزله بها من هزائم لا تقل شدة ولا فتكا عن هزائمها السابقة. وكانت الحرب كما قدمنا فى غير هذا الموضع بين بكر وقبيلته تغلب
(١) انظر أخباره فى الأغانى (طبعة دار الكتب) ٥/ ٣٤ والشعر والشعراء ١/ ٢٥٦ وخزانة الأدب للبغدادى ١/ ٣٠٢.