للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعليه من ربه أوسع رحمة وأطهر سلام وأعطره. ونتوقف قليلا لنترجم لشاعر بجاية محمد بن على بن حماد.

محمد (١) بن على بن حماد القلعى

من أهل قلعة بنى حماد وفضلائها، قرأ بها وتفقه على علمائها، ثم طلب المزيد فقرأ على علماء بجاية وكان بها أبو مدين شعيب فأخذ عنه كتابه: «المقصد الأسنى فى أسماء الله الحسنى» وشرحه من فاتحته إلى خاتمته، ولزم دروس عبد الحق الإشبيلى وأخذ عنه كتاب الموطأ لمالك وغيره من الكتب، وحضر على جلّة الشيوخ فى بجاية وغيرها، وكان له برنامج يشتمل على مائتين واثنين وعشرين كتابا مسندة إلى مؤلفيها، ويبدو أنه كان ينزع نحو المذهب الظاهرى مذهب دولة الموحدين، ولذلك عيّنوه-فى رأينا-قاضيا بالأندلس فى مدينة الجزيرة الخضراء، ثم نقلوه منها سنة ثلاث عشرة وستمائة إلى سلا فى المغرب على المحيط وظل بها إلى أن توفى سنة ٦٢٨ هـ‍/١٢٣٠ م. وكان شاعرا بارعا، وله قصائد أو مراث مختلفة يرثى بها دولة بنى حماد التى أزالها الموحدون عن موطنه سنة ٥٤٧ هـ‍/١١٥٢ م، وفى إحداها يقول (٢):

أين العروسان لا رسم ولا طلل ... فانظر ترى ليس إلا السهل والجبل

وقصر بلاّرة أودى الزمان به ... فأين ما شاد منه السادة الأول

وما ورا الكوكب العلوىّ معتصم ... وقد عرا الكوكب التغيير والبدل

وقد عفا قصر حماد فليس له ... رسم ولا أثر باق ولا طلل

وإنّ فى القصر قصر الملك معتبرا ... لمن تغرّره الأيام والدول

وما رسوم المنار الآن ماثلة ... لكنها نبذ يجرى بها المثل

حتى المصلّى امّحت آياته وعفت ... إلا جدارا وما طلّت به الطّلل (٣)

كرجعك الطّرف كانت كلّ آبدة ... مما تراه كذاك العمر والأجل

وهو يقول أين القصران العروسان المبهجان، لم يعد حتى رسم ولا طلل ولم يعد إلا الفضاء، وقد امّحى قصر بلارة المجيد وما شاده فيه ملوكه الأول، وامحى قصر الكوكب العلوى وقصر حماد إذ لم يبق منه رسم ولا أثر ولا طلل، وإن فى ذلك لعبرة أى عبرة لمن يغتر بالأيام والدول، وأين قصر المنار؟ إنه لم يبق منه إلا آثار يتمثل بها الناس، وحتى المصلى الذى كان يلحق بالقصور لم يبق منه إلا جدار وبقايا أطلال إذ سرعان ما زايلته النعمة سريعا وزايلت كل آبدة


(١) انظر فى ترجمة محمد بن على بن حماد عنوان الدراية ص ٢١٨ وتعريف الخلف ص ٤٨٧ وتاريخ الجزائر فى القديم والحديث للميلى ص ٦٣٤ وتاريخ الأدب الجزائري للأستاذ محمد الطمار ص ١٢٣.
(٢) الميلى ص ٦٣٤ والطمار ص ١٢٣.
(٣) الطّلل: جمع طلل.

<<  <  ج: ص:  >  >>