للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣ - شعراء الغزل]

هذا هو الموضوع الأساسى لشعر صقلية الإسلامية سواء فيما اختاره لها ابن القطاع أو ابن بشرون المهدوى أو العماد الأصبهانى، وهو موضوع إنسانى نجده دائما فى جميع البيئات الإسلامية، إذ يتغنى الشعراء بحبهم للمرأة ويتفننون فى هذا التغنى بصور مختلفة، لعلها تعيرهم التفاتة أو تذكر لهم عهدا أو تفى لهم بوصل أو بوعد، من ذلك قول أبى الحسن على بن الحسن بن الطوبى أحد شعراء ثقة الدولة (١):

ما أحسب السحر غير معناها ... والعنبر الجون غير ريّاها (٢)

إنا جهلنا ديارها فبدا ... من عرفها ما به عرفناها (٣)

كأنما خلّفت بساحتها ... منه دليلا لكل من تاها

وأغبط الماء حين ترشفه ... إذ كان دونى مقبّلا فاها

وما ثنائى على قلائدها ... إلا بأن أشبهت ثناياها

وكان ابن الطوبى قد عبر البحر إلى القيروان فى أيام المعز بن باديس فاصطفاه لنفسه، ومرّت بنا إحدى مدائحه له، وكان المعز كثيرا ما ينشد البيت الرابع من هذه المقطوعة لرقته وعذوبته وهى جميعها فى غاية النعومة والسلاسة، حتى لتكاد ألفاظها تطير عن الفم طيرانا لما فلا الجن تنفعه ولا الإنس ويذرف الدموع مدرارا، فذلك نصيبه وحظه فى دنياه.

وهذه الصورة الطبيعية من الغزل نصادفها عند غير شاعر صقلى، من ذلك قول مستخلص الدولة عبد الرحمن بن الحسن الكلبى ممدوح ابن الخياط (٤):

قلت يوما لها-وقد أحرجتنى- ... قولة ما قدرت أنفكّ عنها

أشتهى لو ملكت أمرك حتى ... آمر الآن فيك قهرا وأنهى

فبكت-ثم أعرضت-ثم قالت ... خنتنى فى محبّة لم أخنها

وهى رقة شعور واضحة، فإنها لم ترتض منه أن يملك أمرها ويأمر فيها قهرا وينهى، وأين الحب؟ لقد خانه، ولذلك بكت بكاء مرا، إنه لم يعد عاشقا بل أصبح سيدا يريد أن يسترقها ويستذلها. ويقول أبو محمد جعفر بن الطيب الكلبى (٥):


(١) الخريدة ١/ ٧٤.
(٢) رياها: شذاها العطر.
(٣) عرفها: شذاها وعطرها.
(٤) الخريدة ١/ ٨٥.
(٥) الخريدة ١/ ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>