للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عريان من غمده بينما هو مغمد ومغمور من دم الأعداء. ويصور أحد أعدائه وقد أخذه الهلع من كل جانب:

ظنّ الإمارة ظلّة فإذا بها ... حرب يكاد أوارها يتأجّج (١)

ومهنّدات كالعقائق ماؤها ... مترقرق ولهيبها متأجّج

لا تستقرّ العين فوق متونها ... فكأنما هى زئبق مترجرج

فى موطن سلب الحليم وقاره ... فكأنما هو مستطار أهوج

فهذا الخارج ظن الإمارة ظلة يستظل بها ويستريح عندها فإذا هى نار حرب متأججة. وإذا السيوف يلمع عليها ما يشبه الماء بل ما يشبه النار المضطرمة، والعين لا تستطيع استقرارا فوق متونها لأنها زئبق مترجرج، فى ساحة حرب تسلب الحليم وقاره حتى ليغدو كأنه مستطار أهوج من شدة الهول والفزع. وتولى الحكم بعد الأكحل صمصام الدولة لمدة أربع سنوات وضاعت الجزيرة من يده ودخلت فى عصر أمراء الطوائف وأخذ ابن الخياط يعزى أمراء بنى أبى الحسين الكلبيين بمثل قوله:

ليسلكم أنّ الجزيرة بعدكم ... كما قيل فى الأمثال لحم على وضم (٢)

تركتم بقايا حسنكم فى خرابها ... كما ذبل النّوّار فى خلل الحمم (٣)

وجوه كأن الله قال لمائها ... ترقرق حياء وامزج الحسن بالكرم

كأنهم فوق الأسرّة أنجم ... سعود وفى الهيجا ضراغمة بهم (٤)

فالجزيرة قد تعرّت بعد الكلبيين من بهجتها وأصبحت عارية من حسنها لحما على وضم، وإن شعبها لا يزال يكنّ لكم حبا وكأنى به ذبل كما يذبل النوار فى أثناء الحمم الملتهبة، ويقول ما أروع وجوه الكلبيين، لقد كان الحياء يترقرق فيها، وكان الحسن يمتزج بالكرم، وكانوا فوق الأسرة والعروش وبأيديهم صولجان الحكم كأنهم نجوم ساطعة فى السلم، وفى الهيجاء أسود لا يماثلها أسود. ولا نعرف شيئا عن مولد ابن الخياط ولا عن وفاته، ويبدو أنه عاش فى عصر أمراء الطوائف حتى زمن محمد بن الثمنة حاكم بلرم، غير أنه لم يلحق عصر روجّار وأبنائه، وربما كان قد ترك صقلية إلى القيروان قبل هذا التاريخ.


(١) أوارها: نارها.
(٢) لحم على وضم: الوضم: ما يوضع عليه اللحم. مثل للدلالة على أنه لم يعد لها واق.
(٣) الحمم: الفحم والرماد.
(٤) بهم، جمع بهمة: الشجاع.

<<  <  ج: ص:  >  >>