للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سوء الحكم العثمانى إلى أن تتولاه الدولة الحسينية منذ سنة ١١١٧ غير أن لهذا الحكم السيئ حسنة فإن الإسبان أخرجوا من ديارهم من بقى بها من المسلمين سنة ١٠١٦ فاستقبلهم الحاكم التركى للإقليم التونسى: عثمان داى استقبالا كريما، وأوسع لهم فى اقتطاع الأراضى ومزاولة الصناعات، كما أوسع للشخصيات الفكرية والأدبية اللامعة أن تزاول حياتها فى تونس، وبذلك أخذوا يردّون لها دورها الثقافى فى العصر الصنهاجى وأوائل العهد بالدولة الحفصية غير أنه لم يتح لتونس حينئذ حكام يستطيعون أن يحققوا لتونس هذا الدور، حتى تولت الأسرة الحسينية شئون الإقليم، وكان مؤسسها مثقفا مستنيرا وكان أبناؤه يحسنون العربية، بل كان ولى عهده من بعده: محمد الرشيد شاعرا وموسيقيا، وله ديوان شعر، وكما كان مولعا بالشعر كان مولعا بالغناء والموسيقى، وإليه يرجع فضل ترتيب الأغانى الشعبية التونسية والأندلسية. وبحق تفتتح هذه الأسرة الحسينية عصرا جديدا بتونس، ظل يواكبها إلى آخر هذا العصر وفترة فى العصر الحديث، وكما أكثروا من إنشاء المدارس والاهتمام بجامعة الزيتونة وعلمائها من كل صنف أكثروا أيضا من الاهتمام بالشعراء والأدباء، وبذلك ظلت بتونس حركة أدبية ترافقها طوال عصر الدولة الحسينية، وممن نلتقى به من شعرائها فى أول العهد بها ابن أبى دينار صاحب كتاب المؤنس فى أخبار إفريقيا وتونس وأحمد برناز ومحمد الوزير السراج صاحب الحلل السندسية ومحمد الخضراوى ومحمد سعادة وإبراهيم بن القاسم الخراط، وأعلى منهم مرتبة فى الشعر على الغراب الصفاقسى وله ديوان منشور ومحمد الورغى والطوير القيروانى ومحمد الشافعى وحمودة ابن عبد العزيز والحجرى، ونلتقى بأخرة من العصر بمحمد ماضور القاضى وكان ينزع فى شعره نزعة صوفية كما نلتقى بمحمد الأصرم والطاهر بن عاشور، ونجد عندهم معارضات كثيرة، والطريف أنهم يعارضون بعض شعراء الأندلس فى قصائدهم مثل ابن زمرك.

[٣ - أغراض الشعر والشعراء]

أخذت الحركة الشعرية تنهض فى القيروان والمهدية منذ عصر الفاطميين أو منذ أوائل القرن الرابع، واتسعت فى عصر الدولة الصنهاجية اتساعا كبيرا أتاح لابن رشيق أن يؤلف فيها كتابه الأنموذج الذى ترجم فيه لمائة شاعر وشاعرة، واتسعت مع تلك الحركة حركة نقدية خصبة، فألف ابن رشيق كتابه البديع: العمدة فى صناعة الشعر ونقده.

ولم تتوقف موجات الحركة الشعرية مع الزحفة الأعرابية لبنى سليم وبنى هلال، فقد ظلت منها-كما أسلفنا-أسراب فى المهدية وفى قابس وسوسة وعادت إلى الانتعاش مع الأزمنة الأولى للدولة الحفصية، وغذتها حينئذ هجرة الأندلسيين إلى تونس وما وراءها من البلدان،

<<  <  ج: ص:  >  >>