الأندلسية التى ذكرناها إنما هى رموز، فقد كان علماء الأندلس وشعراؤها الذين نزلوا بتونس وما وراءها من المدن لا يحصون عدّا، وقد بعثوا فيها جميعا حركة أدبية عظيمة، اقترنت بما كان فى البلاد من نشاط أدبى، فإذا هى تبدأ-منذ الأيام الأولى للدولة الحفصية-فى نهضة أدبية عظيمة، فإذا التفتنا إلى شعراء تونس وجدناهم كثيرين، مثل أبى طاهر الحميرى المتوفى سنة ٦٣٩ وعنان بن جابر الهلالى المتوفى سنة ٦٤٥ وأحمد اللّليانى المتوفى سنة ٦٥٩ وابن عربية المتوفى مثله سنة ٦٥٩ ومحمد بن أبى الحسين وزير المستنصر المتوفى سنة ٦٧١. ووراء هؤلاء فى القرن السابع الهجرى غير شاعر مبدع مثل ابن الشباط التّوزرىّ المتوفى سنة ٦٨١ وله شرح وتخميس لقصيدة الشّقراطسى اللامية فى المديح النبوى، وكان يعاصره ابن السّماط البكرى المهدوى المتوفى سنة ٦٩٠ وأشعاره جميعها مدائح نبوية رائعة. وتظل هذه النهضة الشعرية أيام الحفصيين مطردة فى القرن الثامن الهجرى، ويلقانا به شاعران من أسرة التجانى هما أبو الفضل وعبد الله صاحب الرحلة، وقد توفيا سنة ٧١٨ للهجرة، ونلتقى بإسحاق بن حسينة المتوفى سنة ٧٤٠ وبمحمد الظريف المتوفى سنة ٧٨٧، وما تلبث تونس أن تلقى بدرّتها اليتيمة ابن خلدون المتوفى بالقاهرة سنة ٨٠٨ وهو ناثرا أكبر منه شاعرا. وقلما نلتقى بشاعر مهم فى الحقب المتأخرة للدولة الحفصية، باستثناء الشهاب بن الخلوف المتوفى سنة ٨٩٩ وأبى الفتح بن عبد السلام المتوفى سنة ٩٧٥. وفى رأيى أن ضعف الشعر لعهد الدولة الحفصية فى القرنين التاسع والعاشر الهجريين يرجع إلى ما أخذ يسود منذ زمن ابن خلدون فى الإقليم التونسى وبجاية بعامة من اللغة العامية التى لا تحتفظ بالإعراب فى أواخر الكلمات، مما جعله يقول بمقدمته فى الفصل الخاص بأشعار العرب وأهل الأمصار لزمنه:«فأما العرب أهل هذا الجيل المستعجمون عن لغة سلفهم من مضر فيقرضون الشعر لهذا العهد فى سائر الأعاريض على ما كان عليه سلفهم المستعربون، ويأتون منه بالمطولات مشتملة على مذاهب الشعر وأغراضه من النسيب والمدح والرثاء والهجاء، ويستطردون بالخروج من فن إلى فن فى الكلام. . وأساليب الشعر وفنونه موجودة فى أشعارهم هذه، ما عدا حركات الإعراب فى أواخر الكلم فإن غالب كلماتهم موقوفة الآخر. ويتميز عندهم الفاعل من المفعول والمبتدأ من الخبر بقرائن الكلام لا بحركات الإعراب». ويبدو أن هذه العامية غير المعربة اتسع استخدامها فى الاقليم التونسى، مما جعل الناطقين بالشعر الفصيح المعرب يقلون، وكان زملاؤهم من أصحاب الشعر العامى المسمون بالقوّالين يظهرون فى العهد الأول للدولة الحفصية على استحياء غير أنهم أخذوا يتكاثرون منذ زمن ابن خلدون والقرن التاسع الهجرى.
وكانت شئون الحكم فى أواخر عصر الدولة الحفصية قد ساءت سوء شديدا واستعان بعض حكامها بالإسبان ونزلوا فى ديارها-كما مرّ بنا-منذ سنة ٩٤٢ وأخذت البلاد تعانى من ظلم الإسبان وعسف الحفصيين ويستولى العثمانيون سنة ٩٨١ على الإقليم التونسى ويظل يعانى من