الأموال على الشعراء، ومن يده أخذها روجار الصقلى واستردها منه عبد المؤمن مع البلاد الساحلية. واستولى الهلاليون أيضا على قابس، إذ ظلت لبنى جامع منهم حتى سنة ٥٥٤ واشتهر من أمرائهم بأخرة من أيامهم أبو الحملات مدافع، ومنها استنزله عبد المؤمن أمير الموحدين، وكان جوادا ممدّحا، والتفّ حوله كثير من الشعراء. ومن الغريب أن هذا العصر الذى توزّع فيه الاقليم التونسى بلدانا وإمارات متعددة لم يضعف فيه الشعر بل ظل مزدهرا، وخاصة حول أمراء المهدية وقابس وسوسة، إذ كان أمراء البلدان فيه يتنافسون فى جذب الشعراء إليهم، وكلّ يحاول أن يجمع فى بلده العديد منهم، ليتحدثوا عن مناقبه ومفاخره، وكانت تحف بتميم بن المعز فى المهدية كوكبة من الشعراء، منهم-كما فى الخريدة-حميد بن سعيد، وكان من الشعراء المجيدين وهو الذى جمع شعر تميم، ومنهم-كما فى الحلل السندسية-محمد بن حبيب القلانسى وأبو الحسن بن محمد الحداد، ونلتقى بشعراء أمير قابس أبى الحملات مدافع آخر أمراء بنى هلال بها، ومنهم جعفر بن الطيب الكلبى وسلام بن فرحان القابسى وهو من الشعراء المجيدين والسكدلى القفصى ويحيى بن التيفاشى، كما نلتقى فيها بشعراء جبارة بن كامل بن سرحان أمير سوسة المارّ ذكره، ومنهم أبو ساكن عامر بن محمد بن عسكر الهلالى وأبو الحسين بن الصبان المهدوى والتراب السوسى وهو من الشعراء المبدعين، وكان وراء هؤلاء الشعراء الذين سميناهم شعراء بارعون مثل تميم بن المعز صاحب المهدية وعلى الحصرى المهاجر إلى الأندلس وأبى الحسن على بن محمد الخولانى المعروف بالحداد المهدوى المهاجر إلى الاسكندرية وأبى الفضل بن النحوى التوزرى وابن بشير المهدوى وعبد الله الشقراطسى ومحمد بن شرف المهاجر مع ابنه إلى الأندلس.
ويدخل الإقليم التونسى منذ منتصف القرن السادس الهجرى فى حوزة الموحدين، غير أن ابنى غانية وقراقوش يحدثان فيه شغبا-كما مرّ بنا-ظل فترة طويلة، ويعيد الأمن فيه إلى نصابه والى الموحدين أبو زكريا يحيى بن عبد الواحد مؤسس الدولة الحفصية بتونس، وقد اتخذها عاصمة له، وظلت عاصمة للدولة بعده حتى سنة ٩٨١ حين انتهت دولة الحفصيين، بل لقد ظلت إلى اليوم عاصمة للإقليم التونسى. وكان أبو زكريا سيوسا حليما منصفا محسنا لتدبير دولته، وكان معدودا فى العلماء وفى الشعراء وله شعر مدون مع إحسانه لاختيار الرجال الذين يديرون معه دفّة الحكم، مما جعل أيامه خير أيام على الاقليم التونسى وأكثرها أرزاقا وجمعت دولته طائفة من كبار العلماء ونابهى الشعراء لا من الإقليم التونسى وحده، فقد نزل بدياره كثرة غامرة من علماء الأندلس وشعرائه مثل ابن الأبار وأحمد بن عميرة وحازم القرطاجنى وتظل هذه السيول الأندلسية وافدة على تونس فى عصر ابنه المستنصر مثل ابن برطلة رئيس الوفد الذى قدم إلى تونس سنة ٦٥٧ مبايعا المستنصر خليفة وأميرا، ومثله ابن القصير شاعر المستنصر وله فيه مدائح كثيرة، وعلى شاكلتهما ابن أندراس أهم أطباء المستنصر. وهذه الأسماء