للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السنية ويعطى العطاء الجزيل» واقتدى به ابنه يحيى (٥٠١ - ٥٠٩) فى سيرته، فكانت عنده جماعة من الشعراء-كما يقول ابن خلكان-قصدوه ومدحوه وخلدوا مديحه فى دواوينهم، ومن جملة شعرائه أبو الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسى، وله فيه مدائح كثيرة أجاد فيها وأحسن، وله أيضا مدائح فى ولده أبى الحسن على (٥٠٩ - ٥١٥ هـ‍). وفى حفيده الحسن، وكان روجار صاحب صقلية قد استولى منه على المهدية سنة ٥٤٣ واستردها منه عبد المؤمن أمير الموحدين سنة ٥٥٥. وسار الحسن سيرة آبائه فى العناية بالعلماء والشعراء.

وعصر هذه الدولة الصنهاجية يعد عصر ازدهار للإقليم التونسى ولشعرائه، إذ أصبحوا يعدون بالعشرات، حتى لنجد ابن رشيق المتوفى سنة ٤٥٦ يؤلف فيهم كتابه: «أنموذج الزمان فى شعراء القيروان» يضمنه مائة ترجمة لشعراء قيروانيين فى زمنه، وبينهم شاعرة مبدعة، وكان الكتاب مفقودا، واستطاع الأستاذان محمد العروسى المطوى وبشير البكوش أن يجمعاه من مسالك الأبصار لابن فضل الله العمرى وغيره من المخطوطات التى احتفظت بترجماته، وأن يعيداه كأنما تركه ابن رشيق بالأمس، وهو عمل علمى جليل فضلا عما قدما له من دراسة وما ملآ به هوامشه من تحقيقات قيمة، وبذلك وضعا تحت يد الدارسين للنهضة الشعرية فى القيروان أروع نص يمكنهم من تصوير هذه النهضة، ولم يحظ الإقليم التونسى بنصّ مماثل قبل ابن رشيق ولا بعده له خطورته، ويقال إنه كان له كتاب عن شعراء المهدية سقط من يد الزمن، ولو أنه وصلنا لاتسعت تحت أعيننا صورة النهضة الشعرية فى هذا الإقليم الشقيق لذلك العهد الصنهاجى، إذ الأنموذج لا يصور كلّ ذلك العهد، فقد كتبه ابن رشيق حوالى سنة ٤٢٥ ويغلب أن يكون كثير من المترجم لهم فيه قد عاشوا إلى منتصف القرن الخامس ورأوا موجات بنى سليم وهلال تأتى على القيروان وكثير من المدن، ومع ذلك فقد انسحب المعز بن باديس إلى المهدية، وخلفه عليها سريعا ابنه تميم من سنة ٤٥٤ هـ‍ إلى سنة ٥٠١ ومرت بنا كلمة ابن خلكان عن تميم وكيف كان يغدق الأموال على الشعراء والعلماء وكيف قصده الشعراء، من الأقاليم البعيدة فضلا عن إقليمه، ونهج نهجه ابنه يحيى وحفيده على وابنه الحسن فى نثر الأموال على الشعراء، ولابن حمديس الصقلى وأمية بن أبى الصلت الأندلسى فى الثلاثة مدائح رائعة، وبالمثل لمن كان يحفّ بهم من شعراء القيروان، غير أنهم جميعا لم يقيّض لهم ما قيض للمعز بن باديس من عناية ابن رشيق بالترجمة لشعراء القيروان والإقليم التونسى لزمنه.

وكان الإقليم التونسى منذ زحفة بنى هلال وسليم قد تحول إلى ما يشبه عصر الطوائف المعروف فى اليونان، ففى المهدية أسرة المعز بن باديس وأبنائه، وفى تونس بنو خراسان كانوا عمالا للدولة الصنهاجية واستقلوا عنها منذ سنة ٤٥٨ وفى قفصة والجريد بنو الرّند، وفى سوسة الهلاليون، ويشتهر آخر أمرائهم جبارة بن كامل بن سرحان البعيد الصيت بالجود وإغداقه

<<  <  ج: ص:  >  >>